TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > سيد درويش الفنان الثوري

سيد درويش الفنان الثوري

نشر في: 12 مارس, 2010: 06:53 م

جهاد عليلو لم يظهر الشيخ سيد درويش قبل الحرب العالمية الأولى لظهر فنان آخر باسم آخر، ذلك أن الحياة العامة في مصر بدأت تتطور بعد ثورة عرابي 1882م وبدأت الناس تملأ الشوارع بكثرة، ولهذه الاسباب كان لا بد من وجود شخص يتحدث ويغني بلسان حال الجماهير مثل سيد درويش وقد هيأت ما قبل ثورة 1919م الظروف المناسبة حيث أصبحت للجماهير قدرة عالية على مقاومة القمع
 والإستبداد وفي أعقاب تلك الحياة القاسية التي تتسم بالجوع والفقر المدقع كان قد ولد سيد درويش في "كوم الدكة" بمدينة الإسكندرية سنة 1892م بعد فشل الثورة العرابية بعشر سنوات وتوفي في الإسكندرية سنة 1923م عن عمرٍ يناهز الـ (31سنة) قضاها في صراعٍ ليس مع الفقر والجوع فحسب بل أيضاً مع اللغة القديمة لغة الأغوات والأتراك ورجال القصور والطرق الفنية القديمة، وكان أبوه يعمل نجاراً وكان يحمل معه إبنه سيد درويش كل يوم: إلى ورشته، لذلك إختلطت أذنه بأصوات الباعة المتجولة والحرفيين والصناع، وكانت الحياة اليومية بالنسبة له خليطاً من أصوات الادوات المهنية وأفواه العمال وتأوهاتهم وأحزانهم لذلك قرر الشيخ سيد درويش أن تكون هذه الأصوات هي فقط من يُعبر عن الآلام الشعبية والأفراح الشعبية وليست لغة الأغوات والباشوات واشباه السلاطين والحكام، من هنا شعر الشيخ سيد درويش أن براءة إختراع النهضة العربية ستكون عما قريب للشعب وللجماهير بجميع تفاصيلها، ومن هذه الأصوات ما زالت الناس إلى هذه الساعة تحفظ لحن الصنايعية صبح الصباح صبح يا عليم والجيب ما فهيش ولا مليم بس المزاج رايق وسليم باب الأمل بابك يا كريم ده الصبر طيب عال إيه غير الأحوال يا إل معاك المال برضه الفقير له رب كريم وقد تعلم سيد درويش إنشاد الأناشيد من معلمه الأول في الكتاب وهو في الخامسة من عمره على يد "سامي أفندي" واصبح في سن الـ (7 سنوات) معلماً للطلاب في نفس كتاب (سامي أفندي) وإنتقل الشيخ سيد درويش إلى محطة جديدة في حياته وهي: المعهد الديني لتجويد القرآن، في مسجد أبي العباس ومع هذا لم يستطع أحد أن يفصل دم وروح الشيخ سيد درويش عن الموسيقى، ولكثرة غيابه عن المعهد، فقد تم فصله منه لمخالفته أدنى قواعد السلوك الديني، وظل ملازماً للعمال والصنايعية في كوم الدكة وبالذات لعمال البناء يغني لهم ويكسر بصوته وألحانه ضوء الشمس الحارق، ولأنه تزوج أول مرة وهو في سن السادسة عشرة، فقد كان عليه أن يوفي، العائلة حق التكافل العائلي بالبحث عن مصدر رزق آخر له ولعائلته فإنضم إلى فرقة "كامل الأصلي" ولكنها لم ترض غرور ذلك العملاق الصغير لأنها كانت للتهريج والترفيه والتسلية التي تجعل من الفنان (مهرجاً أرجوازاً) يسلي الناس ويضحكهم فذهب إلى المقاهي ولكنه هجرها لأنها بيئة مخدرات وخلاعة (وكلاجيات) لأغراض الدعارة ولا ترضي حسه الفني المرهف وتخاصم يوماً مع صاحب القهوة الذي قال له (إنت لا تعمل شيء سوى يا ليل يا عين ولا أدفع عليها إلا 5 قروش فقال سيد إذا كانت يا ليل يا عين بـ 5 قروش (يفتح الله يا مزيكه). وقد تنقل عبر عدة محطات حتى إنتهى به المقام في القاهرة سنة 1917م ومن أروع ما قدم في القاهرة: زوروني كل سنة مره حرام تنسوني بالمره. وأول مسرحية لحنها هي "فيروز شاه" بأجر 20 جنيه، وقد سقطت بسبب الجمهور الذي لا يبحث إلا عن التسلية والترفيه، ويقدر النقاد عدد المسرحيات التي لحنها بـ عشرين مسرحية، ومن هنا بدأ فصلاً غنياً من حياته تعرف خلاله على: أمين صدقي وبيرم التونسي، وبديع خيري. ويعد سيد درويش أول فنان ومبدع ينظر إلى الشعب من خلال ورش البناء والطين والباعة المتجولة في الشوارع، وقدر له بعد ذلك أن يقبض خمسين جنيهاً عن كل مسرحية يلحنها وقال عن نفسه (أستطيع أن ألحن الجريدة) وهو أول من لحن قصيدة مصطفى كامل، من أجل إستقبال سعد زغلول ورفاقه بعد عودتهم من المنفى سنة 1923م ولكنه توفي قبل أن يؤديها أمامه عن عمر يناهز الـ (31عاماً) وكانت كلمات الأغنية إلى اليوم من أجمل الكلمات الوطنية. بلادي بلادي بلادي لك حبي وفؤادي( ) .... إلخ وشيع جثمانه في الإسكندرية في الوقت الذي وصل به سعد زغلول ورفاقه الإسكندرية لقد عاش سيد درويش جيلاً واحداً من عمره كان به قد ملأ الدنيا وشغل الناس، وإن لم يكن سيد درويش أفظل موسيقار عربي فيكفيه أنه كان أروع أهل زمانه، لقد غنى للشعب وللعمال وللفقراء بنفس الوقت الذي كان به المتسلقون يغنون لأشباه السلاطين بكلمات مغشوشة وألحان مغشوشة، ويكفيه فخراً أنه مثل في غنائه وألحانه الشعب وناب عنه وكان مرآة واقعية صادقة بنفس الوقت الذي ما زال به أفضل الشعر والكلام أكذبه. ويقال أنه فُصل من المعهد الديني بسبب الحالة الاجتماعية والديون التي تركها والده عليه بعد أن توفي وهو في السنة الأولى من الدراسة ولذلك فقد كان سبب تغيبه عن المعهد عائد بشكل رئيسي للبحث عن الخبز بعد وفاة والده، فبدأ العمل في الأثاث المستعمل مع قريب له ثم بائعاً للدقيق ثم "مناولاً" المونة لأحد معاليم البناء، ويقال أيضاً أن مشاكله النسائية جعلته يهرب من موقع إلى موقع وأن سبب شهرته هي بسبب القصص العجيبة والرائعة وراء كل لحن شعبي يؤديه، فأغنية زوروني كل سنة مرة كانت بسبب إمرأة تحبه، قالت له هذه الكلمات بعفوية

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram