اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > "كائـنـات مـن غـبـار"..رواية بروليتارية تحتفي بالحب الافتراضي

"كائـنـات مـن غـبـار"..رواية بروليتارية تحتفي بالحب الافتراضي

نشر في: 14 مارس, 2010: 04:49 م

مصطفى لغتيري *دأب مؤرخو الأدب على اعتبار الرواية ملحمة البرجوازية،  و لعل السبب في ذلك  أن ظهورها كشكل كتابي ارتبط بانبثاق البرجوازية إلى الوجود  و سعيها الحثيث للتحكم في وسائل الإنتاج، لتكون وريثة شرعية للارستقراطية و الإقطاع، فلم تتوان  في خلق الشكل الأدبي الذي يعبر عنها و عن طموحاتها، و مما يؤكد هذا الطرح أن شخوص الرواية الأثيرين،
 هم أولئك الذين ينتمون إلى الطبقة البرجوازية الصغيرة أو المتوسطة، من موظفين و أساتذة و أطباء و كتاب...  و بطريقتها الفنية تنبري الرواية  لشرح ظروفهم المعيشية، و التعبير عن همومهم الوجودية و النفسية، وتصوير تطلعاتهم المشروعة وغير المشروعة، والمتتبع لمسار الرواية الطويل، سيلمس - لامحالة- صحة هذا الطرح، سواء تعلق الأمر بالمتون  المغربية أو العربية أو العالمية، بيد أن هذه القاعدة غير مقدسة، إذ لا نعدم بين زمن وآخر روائيين يجنحون عن هذا التوجه، فينتقون شخوصهم من الطبقات الاجتماعية المسحوقة، تلك التي تكتوي بنار شظف العيش، دون أن يمنعها ذلك من السعى جاهدة لاقتناص لحظات المتعة العابرة، و من هؤلاء حنا مينة و محمد شكري وغيرهما.وأزعم أن من يقرأ رواية " كائنات من غبار " الصادرة حديثا، لن يتردد في إضافة اسم  كاتبها هشام بن الشاوي إلى هذه الثلة من الروائيين، الذين استهواهم المهمش و الهامشي  في درجاتهما القصوى، فالسارد في هذه الرواية ينتمي إلى الطبقة "البروليتاريا "المسحوقة، التي تكسب رزقها بعضلاتها و عرق جبينها بمعناه الحقيقي وليس المجازي، فهو يشتغل في أحد أوراش البناء صحبة رفاق من طينة خاصة، أول ما يدل على ذلك أسماؤهم، التي نحتت على المقاس حتى تناسبهم، وهي في الغالب ألقاب يطلقونها على بعضهم، فتتغلب على أسمائهم الحقيقية، بل تمحوها إلى الأبد، وهذه الألقاب  من قبيل " كبالا " و "بعية " و " بو الركابي".. هؤلاء الرفاق يطربون وينتشون على إيقاعات المغني الشعبي "الستاتي "، و هوايتهم المفضلة التحرش بالنساء بطريقتهم الخاصة، التي تشبه ما قام به " كبالا" الذي "أفرغ الكأس في جوفه دفعة واحدة، و ردد بصوت طفولي حاد، كما تعود حين يرى نسوة مارات أمام الورش : " وا باااغي اللحممم، و اباغي لحايممممة رطيبة "، يفهمن غزله الوقح البذيء، يتضاحكن في غنج مزهوات بأجسادهن " ص 76.و مما يؤجج طابع الإثارة في هذه الرواية أن السارد متورط في قصة  حب افتراضي، مع امرأة سورية، يتواصل معها عبر الانترنيت و يجمع بينهما أحد المواقع الإلكترونية، هذا الحب الافتراضي يتسامى به السارد عن واقعه المر، الذي يفرض عليه حياة قاسية و صعبة مع رفاق لا يفهمون الحب إلا في الممارسة الجنسية، و هم يسخرون من عواطفه الجياشة تجاه امرأة تفصل بينه و بينها آلاف الأميال، و هكذا ما إن يسمعونه يحدث حبيبته، التي تهاتفه على حين غرة، حتى يسخرون منه " خاصة و هو يتكلم بلهجة مصرية مع  حبيبته التي يسميها" قطته الشامية " ".كتبت هذه الرواية بأسلوب سلس و ممتع  و متين، يفاجئ القارئ بانسيابيته، و جمله السردية، التي تحكم الكاتب في بنائها بشكل يفي بالمطلوب، و هذا ما يجعلني أدعي - قرير العين - بأن هذه الرواية تؤشر على ولادة روائي مغربي قادم بقوة، فلنتأمل هذا المقطع الوصفي من الرواية : "في هدأة الليل البهيم، تلوح القرى المجاورة غارقة في صمت أواخر الشتاء. يتناهى نباح الكلاب متقطعا و بعيدا. النجوم تسبح في الفضاء السحيق تحرس القمر الشاحب، وقد توارى خلف السحب. قبالة البيوت، نصبت خيمة كبيرة في الساحة الواسعة، إضاءتها الساطعة تسلب ليل القرية صمته الجليل و ظلامه الدامس. يلوح الحزن على صفحات وجوه الفلاحين، المتناثرين داخل الخيمة، مشكلين جماعات صغرى، متفرقة، متحلقين حول صواني الشاي و أطباق الكسكس، تحدثوا بصيغة الماضي عن الجد الفقيد - بكلمات مختصرة، كأنما ينتزعونها انتزاعا من قلوبهم - عن تعلقه بقريته، التي لم يفارقها إلا لماما"  ص 72.* قاص و روائي مغربي

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram