TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > خبـــز وورود

خبـــز وورود

نشر في: 14 مارس, 2010: 05:26 م

فريدة النقاشاحتفل العالم في الثامن من مارس بيوم المرأة العالمي تكريما لمسيرة النساء عبر التاريخ من أجل إلغاء كل أشكال التمييز والاعتراف لهن بحقوقهن كمواطنات وبأدوارهن كمنتجات سواء بقين داخل المنزل أو عملن خارجه لأنهن منتجات في كل الحالات.
وقد تحدد 8 مارس تحية لذكرى نساء عاملات أمريكيات نظمن إضرابا عام 1857 احتجاجا علي ظروف عملهن المتدهورة في صناعة النسيج، وهي الصناعة التي ضمت تاريخيا قوة نسائية كبيرة في كل البلدان ربما لأنها صناعة بسيطة لا تحتاج العمالة فيها إلي الكثير من التعليم والتدريب، والنساء عامة جرى إبعادهن لأسباب معقدة عن التعليم والتدريب، وكان هذا الإضراب الكبير تتويجا لجهود حركات نسائية متنوعة من أجل تحرير النساء من الشروط التي تعوق انطلاقهن وإسهامهن في الشأن العام، وكان أيضا إعلانا لارتباط حركة تحرير المرأة بالنضال الاجتماعي العام والإضراب أحد أسلحته، وواصلت النساء الاشتراكيات في أمريكا بعد سنوات تنظيم جهودهن والتظاهر من أجل الحق في التصويت سنة 1909 وطيلة القرن العشرين وفي مدينة لورنس الأمريكية نظمت نساء من عدة قوميات إضرابا كبيرا أيضا في مصانع النسيج طالبن فيه برفع أجورهن واخترن شعارا له (من أجل الخبز والورود) إيمانا منهن بأن الأجور وحدها لن تكون أساسا لحياة هانئة بل هناك عوامل أخرى لابد من مراعاتها وشروط لابد من توفيرها ليحيا العمال والعاملات حياة إنسانية تتوفر لها الشروط الصحية في أماكن العمل، العطلات المدفوعة الأجر، دور رعاية الأطفال وقوانين تنظم العلاقات العائلية علي أساس من الكرامة والمساواة لتكون حياة جميلة وبشرا مسرورين شعارهم الخبز والورود.وبعد ما يزيد علي ثمانين عاما من هذا التاريخ المشهود في كفاح النساء الديمقراطي الذي امتد لكل البلدان تقريبا نظمت نساء مهاجرات في كندا المسيرة العالمية للنساء ضد الفقر والعنف ورفعن أيضا شعار الخبز والورود، وشهدت بلدان العالم كافة ومنها بلادنا منذ نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين وعلى امتداد هذا القرن كفاحا منظما انطلق في أوساط النساء، وقد تحالفن مع الحركة الديمقراطية والاشتراكية في هذه البلدان من أجل حقوقهن التي تبلورت بانتظام في اتجاه إدماجها في الحركة الاجتماعية الاقتصادية للجماهير الكادحة، وميزت نفسها عن حركة تحرير المرأة البورجوازية التي عملت في نطاق ضيق ومحدود وهو محاولة انتزاع حقوق التصويت والترشيح ومساواة النساء بالرجال المرموقين دون أن تلتفت لأوضاع ملايين النساء الكادحات، وفي هذا الإطار نفسه برزت أفكار الصراع بين الرجال والنساء علي اعتبار أن الرجال هم الخصوم وليس النظم الاجتماعية - الاقتصادية - السياسية، كما طرحت الأمر الحركة الاشتراكية والتي راكمت في هذا السياق وعلي أساس من هذا الطرح أدبيات كثيرة أخذت تحفر في العمق في وعي ملايين النساء جنبا إلي جنب النضال ذي الطابع الاقتصادي الاجتماعي للعاملات اللاتي لعبن أدوارا كبرى في كل الحركات الثورية لعصرنا من أجل الانعتاق العام.كذلك شاركت النساء في حركة التحرر الوطني العالمية وفي منطقتنا، ولكن هذا الكفاح الطويل لم يشفع لهن إذ بقي قائما تراث التمييز والنظرة الدونية التي تراكمت تاريخيا رغم أنه جرت خلخلته فكريا وواقعيا إلي حد ما، وإن بقيت النساء خاضعات للازدواج الأخلاقي وللشك في قدراتهن ومكانتهن من قبل أوساط اجتماعية ومؤسسات عملت علي تهميشهن، وبرزت فجوة واسعة بين بعض قوانين متقدمة وقائمة علي أساس المساواة وبين الواقع الفعلي للنساء في مجتمع منقسم إلي طبقات وقائم علي الاستغلال والتمييز والتهميش.وينتج الصراع السياسي - الاجتماعي دائما أفكارا متناقضة لأن قوى التقدم والمستقبل تتعارك مع تلك القوى البالية التي تجر المجتمع للوراء وعادة ما تكون قضية تحرير المرأة في القلب منها بل أحيانا ما تكون أبرزها علي الإطلاق حيث تعلن نزعة السيطرة الذكورية عن نفسها ويقاوم أنصارها مجرد مناقشة هذه الامتيازات التي منحها المجتمع الطبقي الأبوي عبر العصور للرجال، وقد تجلت هذه النزعة كأوضح ما تكون في القرارات الأخيرة التي اتخذتها الجمعية العمومية لمجلس الدولة ضد تعيين النساء المصريات قاضيات فيه، ومن قبل في مقاومة أي تعديل جذري في قوانين الأحوال الشخصية حتى تنهض فلسفتها علي مبادئ العدالة والمساواة بدلا من الوضع القائم علي الوصاية الأبوية التي تضع المرأة في موقع الدرجة الثانية وتنكر عليها حقوق المواطنة.وسوف يتواصل كفاح النساء في مصر كما في العالم كله لإزالة كل ما بقي عالقا في ضمير الإنسانية وممارساتها من أشكال تمييز ضد النساء ومن أجل حقوقهن الكاملة في مجتمع متحرر من كل صور القهر والخوف والاستغلال.. وبعد أيام قليلة تحديدا في 16 مارس سوف نحتفل أيضا بيوم المرأة المصرية.. فكل عام وأنتم بخير.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram