باسم عبد الهادي حسن اعلن البنك المركزي العراقي خلال الفترة الماضية ولأكثر من مرة عن نيته في إصدار طبعة جديدة من الدينار العراقي تحذف فيها الاصفار الثلاثة للألف دينار الموجودة حاليا ليكون الوليد الجديد هو عملة دينار في محاولة تهدف الى زيادة التداول بالعملة المحلية وبالتالي تقليل ظاهرة الإحلال النقدي أو الدولرة التي عرفها الاقتصاد العراقي منذ بدايات مرحلة الحصار في تسعينيات القرن الماضي
فضلا عن تقليل حجم الإصدار النقدي من العملة المحلية الموجودة حاليا كما اعلن البنك ذلك من خلال خطة بعيدة الامد للاستبدال من دون ان تؤثر على السوق العراقي.لقد حاولت السلطة النقدية ومنذ الايام الاولى بعد التغيير السياسي وصدور قانون البنك المركزي رقم 56 لسنة 2004 ان تعمل على تثبيت الاستقرار النقدي وتقليل معدلات التضخم وتعميق السوق المالية من اجل تفعيل قوى السوق فضلاً عن استخدام بعض الادوات النقدية التي لم تستخدم سابقاً والتي من اهمها الدخول في عمليات السوق المفتوحة واقامة مزاد للعملة الاجنبية , وهذا التحول يدلل على اتجاهات جديدة نحو زيادة استخدام الادوات غير المباشرة (الكمية) وتقليل الاعتماد على الادوات المباشرة (النوعية) وقد نجح المركزي في ذلك الى حد كبير وياتي موضوع حذف الاصفار من الدينار في سياق تعزيز قيمة الدينار العراقي التي يعمل المركزي على تحقيقها.إن هذا الإجراء ليس بجديد في التجارب الاقتصادية العالمية وهناك تجارب سابقة كان أبرزها تجربة ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية مع المارك وتجربة تركيا في بداية عام 2005 والتي أزالت ستة أصفار من الليرة بعد تراجع التضخم المزمن في الاقتصاد التركي وقد جرى هذا الانتقال من العملة القديمة إلى الجديدة بشكل هادئ غير مصحوب بتضخم، مما سهل الحسابات في بلد تحسب فيه الرواتب بالملايين، بل والمليارات، والميزانية السنوية بالكوادرليون (الف ترليون) ، ولكن الى اي مدى يمكن تطبيق التجربة التركية في العراق؟ يعتقد المتخصصون بان المزايا التي يمكن ان يجنيها الاقتصاد العراقي من عملية حذف الاصفار ترتبط بالجانب النفسي بشكل رئيس يدخل ضمن ما يعرف في الادبيات الاقتصادية بالوهم النقدي والذي يعود الى المدرسة الكنزية في ثلاثينيات القرن الماضي وهو يعني زيادة القيمة الاسمية للنقود من دون زيادة القيمة الحقيقية وبالتالي ليس المهم كمية النقد ولكن المهم هو قدرة تلك الكمية على شراء السلع والخدمات، وعليه فان البنك المركزي يعتقد ان الطلب على حيازة العملة سيزداد (لأسباب نفسية) وهذا يمكن ان يقلل من حالة الدولرة التي يعاني منها الاقتصاد العراقي فضلا عن ذلك فان هذه العملية ستعطي قوة اكبر للدينار العراقي وقبول اوسع بين المستثمرين التي يمكن ان تكون عودة للعصر الذهبي للدينار العراقي.على الرغم من كون عملية تبديل الفئات النقدية ورفع الاصفار بحد ذاته ليس له عيوب مباشرة الا انه يحمل آثاراً سلبية غير مباشرة تتعلق بواقع الاقتصاد العراقي لا يتحملها المركزي وهي بحاجة الى شروط موضوعية يمكن تحديدها بالاتي: انخفاض معدلات التضخم واستقرار الاسعار وفي هذا الجانب فان الاقتصاد العراقي لا يزال يعاني من نسب مرتفعة من التضخم على الرغم من انخفاضها النسبي وان سعر صرف العملة العراقية المستقر منذ فترة طويلة يدار من خلال التدخل المباشر عبر مزاد العملة اليومي.rnالتناغم بين السياستين المالية والنقديةوقد اظهرت السنوات الست الماضية ارتباكاً في العلاقة بين السياستين المالية والنقدية ولم تكن الصورة واضحة الى الحد الذي يكشف حدود العلاقة في معالجة المشاكل الاقتصادية التي واجهت الاقتصاد العراقي وفي الوقت نفسه شخص العديد من الاقتصاديين وجود حالة من التناقض في المعالجة لاسيما لظاهرة التضخم الركودي.. ففي الوقت الذي ترى فيه السلطة المالية اهمية معالجة البطالة اولاً وبالتالي تحاول اتباع سياسة توسعية يتم فيها تحمل النسب العالية من التضخم في مقابل انخفاضها مستقبلاً بعد ان يزداد العرض السلعي الناتج عن زيادة الانتاج ، ترى السياسة النقدية العكس وتحاول معالجة التضخم اولاً وتعتقد ان البيئة المالية والنقدية المستقرة هي شرط رئيس للانتاج فضلاً عن كون الاقتصاد العراقي غير مرن حالياً لأسباب عدة، وعليه فان التوسع غير مناسب حالياً وسوف يقود الى التضخم حتماً ،وامام ذلك فان عدم توافق السياستين يعني ارتفاعات محتملة في نسب التضخم نتيجة السياسة التوسعية للسلطة المالية. على الرغم من تحسن الاوضاع الامنية في السنوات الماضية عن الفترة التي حدثت فيها عملية الاستبدال الاولى الا ان الفساد الاداري لا يزال يشكل التحدي الابرز امام الاقتصاد العراقي وهذا يعني ان عملية الاستبدال المحتملة بحاجة الى آليات مدروسة لتلافي اشكالية الفساد والتي يمكن ان تكون احدى معوقات نجاح التبديل.ان عملية تبديل ما يزيد على ثلاثين ترليون دينار عراقي ستحتاج الى تكاليف كبيرة للطباعة والنقل فضلا عن تكاليف اتلاف العملة الحالية وبالتالي يجب مقارنة هذه التكاليف بالايجابيات المحتملة ومن ثم اتخاذ القرار المناسب فضلا عن ذلك فان مؤشرات حذف الاصفار لا تزال تفيد بان الوقت غير مناسب بعد لعملية رفع الاصفار وان نجاح هذه التجربة بحاجة الى شروط موضوعية تتحمل كل الاطراف عملية تحقيقها لانجاح هذه العملية وإلا فان هذا الموض
حذف الاصفار من الدينار بين الرفض والقبول
نشر في: 15 مارس, 2010: 05:01 م