عامر القيسي قيل في الأمثال العربية: مغنية الحي لاتطرب. والمثل كما تعرفون لايأتي من فراغ، وانما نتيجة لخبرة حياة تتجلى في مقولة تتناقلها الاجيال شفاهاً حتى تصبح، مع غيرها، جزءا من ثقافة شعب. انتخابات السابع من آذار التي قيل عنها ما لم يقل في اية انتخابات في الشرق الاوسط منذ اكثر من نصف قرن، لم ترض بعض السياسيين عندنا.
الامم المتحدة تقول ان الانتخابات ضمن المعايير الدولية ناجحة جدا. الجامعة العربية تقول الشيء نفسه وان كان قولها من وراء انفها. مندوبو الاتحاد الاوروبي قالوا:ان العراق قدم نموذجا فريدا في الديمقراطية.المراقبون الدوليون أكدوا ان انتخاباتنا على درجة عالية من الشفافية والرقة.مراقبو منظمات المجتمع المدني أقروا ببعض الخروقات لكنهم اعترفوا وقالوا بالفم الملآن ان تلك الخروقات لا تؤثر على الانتخابات ولا يمكن لها ان تغير النتائج. عيون الكيانات السياسية كانت محدقة في الصناديق السحرية وتلتقط الهمسات واللمسات وتكتب التقارير، لم نقرأ لها تقريرا يقلب الطاولة على « المزورين «.سياسيونا وحدهم، حماهم الله وفرج عنهم كربتهم، لم يتركونا نستمتع بفرحنا في نجاح انتخاباتنا التي عمّدناها بالدم والضحايا، فراحوا يجلدون ظهورنا، ليقنعونا ان في الأمر «انّ» وان شياطين التزوير قد لبست طاقيات الاخفاء، لكي لاتراها عيون المراقبة المحلية والدولية والعربية والانكلو سكسونية، وبدلت الاستمارات، فأضافت ونقصت وحذفت أصفاراً هنا واضافت غيرها هناك. واعتقدنا للوهلة الاولى ان الامر يخص بعض الذين اعتادوا على تخريب افراحنا بانتخابات أو بغيرها، لكن اعتقاداتنا البريئة هذه اطاحت بها،تصريحات سياسيين من غير سرّاق الافراح، وشملت الاتهامات المفوضية والمراقبين والعمال والاعلاميين وحملة الصناديق وسوّاق السيارات وبائع اللبلبي والشرطي وجاري ابو محمد الذي صفق كفا بكف وقال بحسرة عميقة « والله عجيبة «!رئيس احد الكيانات اخبروه ان قائمته قد حصدت في المنطقة الفلانية 83% من اصوات الناخبين، نهض الرجل بكل عصبية من كرسّيه والزبد يتطاير من بين شفتيه وصرخ « الله اكبر كلها تزوير في تزوير « وعندما حكيت الحادثة لجاري ابو محمد، اعاد ضرب كفا بكف وحرك مسبحته يمينا وشمالا كعادته وقال هامسا: ابو فلان يكون صاحبنا من جماعة صدام ما يشوف غير نفسه!لامغنياتنا تطربن، فجميعهن خارج العراق، ولا انتخاباتنا تفرح، فقد رفعت السياط وانهيل بها على ظهر التجربة الديمقراطية العراقية، من أجل عيون الجيران الكرماء!، ولا سياسيونا يرحموننا حين يعاودون الحديث عن المناصب السنية والشيعية، الكردية و العربية، كأنهم لم يقرؤوا دستورا ولم « يفحصوه « فقرة فقرة ولم يكونوا شهوداً على الملايين التي استفتت عليه، وكأنهم «يارب الكون « قد اتونا فجأة من جزر الواق واق ليكتشوا ان هناك عراقاً وشعباً يبني تجربة ديمقراطية فريدة باعتراف الاصدقاء الذين فرحوا لفرحنا على الضد تماماً من حملة السياط الذين ينتظرون ان نخلع ثيابنا لينهالوا على ظهورنا، لكننا لن ننزع قمصاننا كما لم نفعلها سابقا.
وقفة: الذين يجلدون ظهورنا
نشر في: 15 مارس, 2010: 06:44 م