قامت ثورة 14 تموز ونجحت وقام عبد الناصر بإعلان اعترافه بالنظام الجديد ودعمه للثوار ووضع كل إمكانات الجمهورية العربية المتحدة لخدمة العراق .. وفيما يتعلق بموقفه من الأكراد فان الرئيس جمال عبد الناصر كان على معرفة تامة بالقضية الكردية وملابساتها وموقف الحكومات العراقية المتعاقبة منها وقد أكد في أول اتصال رسمي رأيه في أن القومية العربية لايمكن أن تتعارض مع القومية الكردية طالما كان هدفهما هو مقاومة الأحلاف والسياسة الغربيةrn
وحين علم بان قادة ثورة 14 تموز 1958 قد رحبوا بعودة الملا مصطفى البارزاني رئيس الحزب الديموقراطي الكردستاني من منفاه وجماعته من الاتحاد السوفيتي حرص على الالتقاء به والتأكيد له بأنه يدعم القضية الكردية ويحث الحكومة العراقية على حلها حلا سلميا ديموقراطيا ، وقد بنى عبد الناصر موقفه هذا على أساس معرفته الدقيقة بحق كل شعب أن يعيش حرا في وطنه وضمن أمته ، وكان يعرف أن الأكراد الذين يعيشون في الوطن العربي لهم ما لإخوانهم العرب خاصة وان هناك الكثير من الروابط التاريخية والكفاحية بينهما عبر مراحل التاريخ المختلفة .. ولم تكن مواقف الأكراد من نضال مصر ودفاعها عن مصالحها الوطنية والقومية وخاصة بعد تأميمها قناة السويس في تشرين الأول 1956 والعدوان الثلاثي البريطاني –الفرنسي -الإسرائيلي الأثيم عليها غائبة عنه .. وقد تعرض العديد من قادة الأكراد للاعتقال والسجن في العراق لوقوفهم بجانب مصر وتنظيمهم التظاهرات شأنهم شأن إخوانهم العرب في مختلف المدن الكردية . لذلك ترسخ في أذهان أولئك القادة الرغبة العارمة بالاتصال بعبد الناصر وتوحيد وتنسيق المواقف النضالية المشتركة معه خاصة بعد بروزه قائدا بارزا من قادة نضال الشعوب المستعبدة في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية في تلك المرحلة المهمة من التاريخ . غادر الملا مصطفى البارزاني موسكو في الحادي والثلاثين من آب/أغسطس 1958 متوجها إلى رومانيا يرافقه زميلاه مير حاج احمد واسعد خوشقي ومن بوخارست أرسل بواسطة سفارة الجمهورية العربية المتحدة برقية إلى قادة الثورة والزعيم الركن عبد الكريم قاسم يهنئهم فيها بانتصار الثورة . وقد رد قاسم على البرقية في الثاني من أيلول/سبتمبر 1958 بقوله (( أننا نرحب بعودتكم جميعا إلى العراق العزيز ، وقد اتخذنا جميع الإجراءات لإصدار العفو وتسهيل سفركم )) . وقد دعاه قاسم إلى مراجعة سفارة الجمهورية العربية المتحدة في براغ بجيكوسلوفاكيا ( آنذاك) لتأمين عودته وزميليه . وفي اليوم ذاته أبرقت وزارة الخارجية العراقية إلى سفارة الجمهورية العربية المتحدة في براغ لتسهيل عودة البارزاني. ويشير الأستاذ مسعود البارزاني في كتابه ( البارزاني والحركة التحررية الكردية) إلى أن الحزب الديموقراطي الكردستاني شكل وفدا للسفر إلى براغ لمرافقة البارزاني في العودة إلى الوطن وضم الوفد كلا من إبراهيم احمد ، نوري احمد طه ، صادق البارزاني ، عبيد الله البارزاني ، والتحق بالوفد صالح ميران في القاهرة .غادر البارزاني براغ في نهاية شهر أيلول 1958 متوجها إلى القاهرة واستقبله الرئيس جمال عبد الناصر بحفاوة بالغة في منزله ، ((ووضع البارزاني ، كما يقول الأستاذ مسعود في ذلك اللقاء لبنة العلاقة التاريخية مع رائد الحركة القومية العربية )) . وقد نقلت وسائل الإعلام في القاهرة تصريحا للرئيس عبد الناصر اثر لقائه بالملا مصطفى البارزاني قال فيه: ((من حق الأكراد التمتع بحقوقهم المشروعة ضمن إطار الدولة العراقية ،وتبعا ضمن إطار الوحدة العربية الأوسع.ذلك لان للعرب عدوا خطيرا واحدا يهدد مستقبلهم وأمنهم ومصادر ثروتهم وهو إسرائيل وان عليهم أن يوجهوا قواهم العسكرية ومواردهم الاقتصادية كافة لدرء هذا الخطر )) . ليست لدينا وثائق واضحة عن طبيعة ما جرى من حديث بين الرئيس جمال عبد الناصر والملا مصطفى البارزاني إلا أن ثمة وثائق بريطانية أمريكية تشير إلى بعض ما دار في ذلك اللقاء وقد علق الأستاذ مسعود على ذلك بقوله ((إن مرور البارزاني بالقاهرة في طريق عودته إلى الوطن ولقائه مع الرئيس جمال عبد الناصر يؤكد ترحيب الجمهورية العربية المتحدة بالبارزاني وبعودته)) . جاء في تقرير كتبه السفير البريطاني في بغداد السير مايكل رايت النصف دوري المؤرخ في 22 أيلول 1958 ولغاية 7 تشرين الأول/اكتوبر 1958 ((إن الملا مصطفى البارزاني عاد مساء يوم 6 تشرين الأول 1958 إلى العراق بعد زيارته السابقة للرئيس ناصر في القاهرة وكان هناك جمهور كبير في المطار لاستقباله مع جماعته )) . ونقل عن صديق شنشل وزير الإرشاد ( الأعلام) سام فول السكرتير الشرقي في السفارة البريطانية ببغداد في تقريره المرقم 16658/1013 والمؤرخ في تشرين الأول 1958 قول شنشل لفول في منزله : ((حول موضوع الكرد لم يعبر (شنشل) عن قلقه ويعتقد بأنهم سيتعاونون مع الحكومة العراقية ، ودافع عن قرار عودة الملا مصطفى البارزاني ومرة أخرى كان يعتقد بأنه لا يخلق المشاكل وكان يعتقد بأنه كان من الصعب عدم السماح للاجئ من هذا النوع بالعودة إلى وطنه ، وان مثل هذا القرار كان سيخلق عدم الرضى بين الكرد ...)) . أما السفارة الأمريكية في القاهرة ، فقد وصفت لقاء البارزاني مع الرئيس جمال عبد الناصر في برقيتها إلى واشنطن المؤرخة في 7 تشرين الأول 1958 على النحو التالي : ((وصل الى القاهرة من براغ في 3 تشرين الأول ا
عبد الناصر والبارزاني علاقة كان هدفها مقاومة المستعمر
نشر في: 17 مارس, 2010: 04:29 م