ان كل شعب يفتخر بشخصياته البارزة ومثقفيه، والشعب الكردي هو أحد تلك الشعوب، حيث كان الكرد منذ القدم يعتزون بهؤلاء وكانوا حسب تصورهم ومفاهيمهم آنذاك يسمونهم أولياء الله ورجاله الصالحين يزورون قبورهم لمناجاتهم طلباً للتبرك وتحقيق ما في قلوبهم من أمان وأمل لعلهم ينالون خيراً، ولكن اليوم قد تغيرت تلك المفاهيم والتصورات وتطورت كثيراً، تجسمت تلك الشخصيات في قادتنا ومثقفينا البارزين يجب الا ننساهم،
وعندما نأتي اليوم لتقييم هؤلاء نرى ان الملا مصطفى البارزاني الخالد هو أحدهم وفي القمة، لذا فإن ذكرى الملا مصطفى الخالد هي افتخار بتاريخنا وافتخار بماضينا وبنضالنا.فأنا كنت أحد الذين كان لهم شرف لقائه لعدة مرات وقد تلقيت منه أبلغ الدروس. ففي إحدى المرات كتبت مذكرة الى مؤتمر الملوك والرؤساء العرب في الخارج، جاءت فيها فقرة تقول: "إذا لم تحل المشكلة الكردية في العراق، فسوف تصبح كردستان قبرصا ثانية"، كنت اقرأ له تلك المذكرة، توقف وقال لي: اقرأها ثانية.. فعندما أعدت له القراءة قال لي: من كتب هذه المذكرة؟، قلت: الشخص الفلاني، عند ذلك اقسمني اليمين ان أبلغه كلماته القاسية، لأن للتهديد حدوده، وقال: إذا قلت لك أرميك بهذه الصخرة الضخمة فأنت تضحك ولا تحسب لتهديدي أي حساب ولكن إذا قلت لك أنا أعرف ماذا أفعل بك!، قال: تخاف من تهديدي، ثم قال: يجب عليكم ان تنتبهوا الى أقوالكم في الخارج، عندما تكتبون شيئاً يجب ان تكتبوا بتواضع، تكتبون على هذه الشاكلة ولا تحددون الإجراء الذي تقومون به، فشتان ما بيننا وبين قبرص، وفي الحقيقة لا تزال نصيحته هذه ترن في مسمعي. ذكر لي الأستاذ الأخ عزيز محمد عن علاقة البارزاني الخالد مع المرحوم السيد جمال عبد الناصر، فتمثل بلقائه عبد الناصر عند عودته الى العراق عن طريق مصر فكنت أحد الذين عملوا في مصر في تلك الفترة، فعدت الى كردستان عام 1965 وذهبت لأتشرف بلقاء البارزاني، فعندما وصلت اليه رحب بي فقد جلبت له رسالة من الخارج، فعلم ان المارشال تيتوهو في القاهرة ويمكث فيها مدة، فكتب رسالة الى تيتو وأخرى الى عبد الناصر، بما ان الوقت كان ضيقاً قال لي: أنت أكتب الرسالة الى عبد الناصر وأنا اكتب لتيتو، كتب هو الرسالة من دون تسويد ثم قال لي: أتعرف اللغة الروسية؟ قلت له: كلا، فترجم لي محتوى الرسالة باللغة الكردية مباشرة، فأعجبت به وبرسالته القديمة كثيراً ولاسيما بتسلسل أفكاره في صياغة عبارات الرسالة. وكذلك تلقيت منه درساً آخر، فعندما كتبت الرسالة العربية أعطاني دفتراً خاصا بكتابة الرسائل، أردت ان أقلب غلاف الدفتر وابدأ بكتابة الرسالة في أول صفحة منه، قال لي البارزاني: هذا غير صحيح، بل أقطع الورقة ثم اكتب عليها فوق جلد الدفتر حتى لا تترك الكتابة أثراً على الصفحة الثانية من الدفتر، فأخذت بهذه النصيحة القيمة درساً أخر ليكون العمل الدبلوماسي السياسي يحتفظ بسيرته لئلا يستفيد الآخرون من الأثر المتروك على الصفحة الثانية ويستغلوه، لذا أمل أن تكون كردستان أكثر تقدماً وازدهاراً عندما يحتفل بالذكرى المئوية لميلاد البارزاني الخالد لتكون كردستان آمنة وحياة شعبها سعيدة واقتصادياته متقدمة، ولا شك ان المخلصين يحسبون لذلك اليوم حساباً ويكلفون الباحثين والمؤرخين ليهيئوا أنفسهم من الآن لإعداد دراسات قومية ومستفيضة لا مقالات، بل يجب ان تستند تلك البحوث والدراسات الى وثائق ومستمسكات، حيث توجد بعض الوثائق السرية مبثوثة في بلدان أخرى يمكن جمعها الى ذلك الحين لأن تلك المستمسكات هي جزء من تاريخ أمتنا وتاريخ سيادة ونضال للسيد الملا مصطفى البارزاني الخالد، آملين ان تتحول ذكرى هذا النوع من زعمائنا الى سنة وقاعدة متبعة في المستقبل مع بالغ تقديرنا.rnكلمة القاها في المؤتمر الذي انعقد بمناسبة مرور 90 عاما على ميلاد البارزاني