TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > حــارة أم الــحـسـيـنـي

حــارة أم الــحـسـيـنـي

نشر في: 17 مارس, 2010: 04:52 م

فريدة النقاشيعرف النشطاء السياسيون والمناضلون اليساريون شهدي عطية الشافعي مناضلا شيوعيا، جري قتله تحت التعذيب في السجون الناصرية فجر 15 يونيو 1960، وكان سجنه وقتله ضمن عشرات آخرين ذروة من ذرى تراجيديا العلاقة بين اليسار والحكم الناصري، مازالت بعض فصولها لم تكتب، وإن كان الزميل
والباحث في شؤون الفلاحين (عريان نصيف) قد أرسى تقليدا رائعا حين أسس لجنة تخليد شهداء اليسار وأخذ يجمع الكتابات والحكايات ويسجلها، ويلقي الضوء علي أسماء مجهولة وعطاء بلا حدود آن له أن يتعرف عليه الجمهور الواسع ليقرأ هذه الصفحة شبه المجهولة من تاريخ الكفاح الوطني.إضافة لنضاله السياسي الذي لم يتوقف إلا بتوقف أنفاسه كتب (شهدي عطية الشافعي) رواية (حارة أم الحسيني) وقصصا أخرى جمعها وقدم لها مؤخرا الشاعر والناقد (شعبان يوسف) مؤسس ورشة الزيتون في مقر حزب التجمع شرق القاهرة ونشرها المجلس الأعلي للثقافة.وهكذا يظهر لنا وجه آخر لشهيد اليسار كاد يغيب تماما عن الجميع، حتي عن رفاقه، هذا الوجه مجهول ولحقه الإلغاء وهو وجهه الأدبي والإبداعي.ويعرف دارسو تراث الشيوعيين المصريين أن هناك نماذج إبداعية وفنية بلا حصر كتبها هؤلاء في السجون والمنافي المخابئ التي لجأوا إليها من البطش، وهي من الغنى والثراء والتنوع لدرجة يمكن أن تصبح موضوعا لبحث مدقق، ولعل لجنة تخليد شهداء اليسار أن تضع مثل هذه المهمة علي جدول أعمالها وتكلف باحثين بها.تنتمي الرواية القصيرة (لشهدي) إلي تراث الواقعية وتطرح الإشكالية الرئيسية للواقعية الاشتراكية التي بقيت حتي الآن مثار جدل واسع في الساحة النقدية والتي يسجلها الكاتب والمناضل الراحل سعد التايه، في تقديمه للرواية لدى نشرها مسلسلة في جريدة المساء في منتصف الخمسينيات إبان رئاسة خالد محيي الدين لتحريرها حين يقول (إن شهدي الذي نال درجة عالية من الثقافة، وقرأ كثيرا من ألوان الأدب الغربي، وتأثر كثيرا بألوان من المدارس الفكرية، ولكنه خرج منها إلي الواقعية في الأدب، إلي تصوير الحياة بخيرها وشرها، ولكنها ليست الواقعية التي تتناول جانبا واحدا من الحياة، الجانب المظلم، فالمؤلف يري هناك نورا وأملا حتي في أشد الأركان إظلاما في الحياة، ولهذا جاءت قصته تحلل الحاضر ولكنها تتطلع في الوقت نفسه إلي المستقبل).واستشراف المستقبل من قلب حركة الحاضر، استماعا إلي الدبيب الداخلي الغامض لعملية تشكل هذا المستقبل المختلف الذي يمكن أن يكون أفضل أو أسوأ، طبقا لمعطيات الواقع، ووعي الطبقة المتطلعة للانفلات من أسر الماضي هو المحور الرئيسي للواقعية الاشتراكية والذي يميزها عن الواقعية الطبيعية أو التقديرية، ويتشكل ذلك كله فنيا في ما لا نهاية له من التفصيلات والمفردات والشخصيات والعلاقات.تنهل الرواية من الذاكرة.. ذاكرة الأسطى سيد ابن الريف الذي هاجرت أسرته إلي المدينة وهو في السابعة إلى الإسكندرية التي جاءها (حافي القدمين، عاري الرأس لا يلبس سوى جلباب علي اللحم) وهو ما يعيد إلى الأذهان توا رواية (الرحلة) (لفكري الخولي) والتي تنتمي لتراث اليسار المجيد، وتسجل برهافة وعمق الكيفية التي خرجت بها الطبقة العاملة المصرية من قلب الفلاحين مع صور مضيئة من كفاحها ووعيها بذاتها كطبقة وعبر حكايات الحارة الممتعة واللاذعة في قسوتها والمكتوبة بقدرة العارف بأدق تفاصيلها ينتهي الأمر بالولد المشاغب (سيد) إلي الطرد من المدرسة هو الذي تمرد علي الوصاية ورفض أن يكون (مطيعا)، كما ينبغي للتلميذ طبقا للمواصفات الشائعة فقام بانتزاع (المسطرة من يد خاطر أفندي في حركة سريعة عصبية وليكسرها نصفين).. ثم.. انهال خاطر أفندي بالركل واللكم، ودارت رأس سيد فلم يدر إلا وأسنانه تنهش يد خاطر أفندي (نهشا).خرج سيد من المدرسة ليصبح عاملا جزاء دفاعه عن نفسه وكرامته واحترامه لذاته كآدمي، وهناك عند النجار الذي سلمه له أبوه عقابا يقدم (شهدي) صياغة تقريرية إنشائية لأمله هو في الطبقة العاملة، نشعر معها أن الرواية انقطعت رغم أنها كانت في حاجة للاستكمال، ويلخص رسالته بطريقة غير فنية حين يقول المعلم (حمودة) لسيد (إحنا الصنايعية.. إحنا كل حاجة بص كده للبيوت دي مين اللي بيبنيها إحنا الصنايعية، شوف الهدوم اللي كل الناس بتلبسها مين اللي بينسجها ويغزلها؟ برضه إحنا الصنايعية.أبى (شهدي) القابض علي رسالته إلا أن ينهي روايته الوحيدة بمنشور سياسي، ولعله لو كان قد أفلت من يد الجلاد، لقدم لنا أعمالا أفضل وأجمل.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram