TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > منطقة محررة :تحية وسلام

منطقة محررة :تحية وسلام

نشر في: 17 مارس, 2010: 05:27 م

نجم واليولأننا نريد أن نبدأ رحلة جديدة بخطوة أولى إذا جاز الحديث، فليس هناك أفضل من الإبتداء بتحية بعضنا: السلام عليكم، لما تحمله هذه التحية من معنى التحية وحسب، وذلك أمر بديهي، لكن في الأقل لسبب واحد فقط، أن نتمنى لأنفسنا: السلام بالفعل. وليس هناك أفضل من التعرف على بعضنا بهذا الشكل، لكي نبدأ بالحديث عن تلك المنطقة، التي سأطلق عليها "منطقة محررة" منذ الآن،
الآخرون لهم مناطقهم الخضر، أو مناطقهم الحمر، أو الصفر، أو..أو، وأنا أدعوك عزيزي القارىء لنجلس ونتجاذب أطراف الحديث في المنطقة التي سنحررها لأنفسنا هنا. دعني أرسم لك هذه الكلمات، وهناك حيث تجلس أنت البارع في قراءة ما بين السطور، حيث تتحاور معي في ذهنك، ولا تقلق، ستجدني معك أجلس في المنطقة نفسها، ننظر بإتجاه واحد، لا منة لأحدنا على الآخر، بل لا منة لأحد علينا، أنه إنجازنا الذي نصر عليه في الأمس أو اليوم، في الحاضر أو في المستقبل، أنه مشوار الحرية الذي نريد تكملة السير عليه، الإصرار على العيش الحر، عزيزي القارئ، المنطقة الحرة هي إنجاز لا زمن له، أنه مشروع دائم بإتجاه المستقبل، وإذا قيل قديماً، قل كلمتك وأمش، فنحن نقول، قل كلمتك ولا تعجز عن تكرارها، بعض الكلمات، كما قال بريشت، تحتاج التكرار في الأقل ثلاث مرات، أو قل شيئاً، اي شيء، لا تسكت، ليس هناك أكثر قتلاً للروح من الصمت عندما عليها أن تحكي، وهذا ما يتوسمه أي عمود! منذ بداية قراءاتي عندما كنت صبياً وأنا أقف مذهولاً أمام أولئك الكتّاب والصحفيين الذين يكتبون عموداً (أو مقالة) في الصحف سواء يومياً أو أسبوعيا، والامر له علاقة أكثر بمضمون العمود. في الحقيقة كنت أعجز عن التعبير عن إعجابي لأولئك الذين يكتبون العمود المميّز، كنت أشعر إزاءهم بالإندهاش ذاته الذي يجعل آذاني تقف وضربات قلبي تزداد، كلما رأيت فناني السيرك وما يقومون به من حركات غريبة، إبتداءاً من البهلوان عديم الوزن، الخفيف الذي يطير في الهواء، وهو يلوي جسمه ذا العظام الجلاتينية، إلى ذلك الفنان الذي يروض الأُسود، ويرقص تحت رميات السكاكين. حبي لرؤية السيرك في طفولتي لم يعادله إلاّ حبي لقراءة بعض الأعمدة التي كانت تشدني منذ أول قراءتي لها، حتى انني كنت أشتري الجرائد فقط لأجل قراءتها، بعض الأعمدة رافقتها (ومازلت) سنوات طويلة، ربما شغلني في الوهلة الأولى سؤال واحد، كيف يستطيع كاتب العمود العثور على موضوعه؟ لكنني لاحقاً وبعد أن عرفت أن المواضيع أمامنا في كل مكان، وفي بلادنا، بلاد وادي الخرابين، فما أن نرمي حجراً إلا وتدحرج على موضوع، أقول لاحقاً، وكلما تواصلت مع قراءة مسلسل عمود معين إزداد تساؤلي مع نفسي، من أين لكاتب هذا العمود القدرة على ديمومة كتابة كلمات مثل هذه، كلمات لا تفقد شيئاً من جوهر معناها، من حجتها، من وزنها الخاص وحبكتها؟ من أين تأتي قدرته تلك على شدّي إليه، وأنا أعرف غالباً، وعندما يتحدث المرء كثيراً، وبالأحرى بل وبالذات عندما يكتب المرء كثيراً، فإنه لا يدخل في مطبات مغامرة الوقوع في التسطحِ وحسب، إنما وقبل كل شيء يكف المرء عن إدراك ما يقوله. وإذا كانت كتابة رواية لا تحتاج إلى أكثر من موضوع جيد ورغبة بالقص في المقام الأول، فإن كل كلمة مكتوبة لا تكون أصيلة وثمينة إلا عندما تكون تعبيراً عن تفكير وشعور عميقين، وإذا كان شرط الرواية الجميلة الإبداعي هو الإخلاص للحواس قبل الإعتماد على حقائق خارجية معطاة، فإن الأكثر صعوبة في كتابة عمود يُقرأ، هو المحافظة على الصدق التعبيري والإخلاص للنفس في الأقل طوال الفترة التي يُكتب بها. أعرف أننا في بعض الأحيان نقول كلمات خاوية، لكن المهم هو إكتشاف هذه الطاقة فينا، الطاقة في الإصرار على مواصلة زخ التعبير في الكلمات التي نكتبها، لكن أليس ذلك، في عمقه، هو نزاع متوتر بين النفس وبين الكلمات المكتوبة التي نعتقد أنها تقول شيئاً أصيلاً؟ وفقط عند إطلاق سراحه من دواخلنا، نشعر بأنفسنا أحراراً؟ ففي النهاية لا يتعلق الأمر هنا بالكلمات المكتوبة فقط، إنما والمنطوقة أيضاً. كم هو عدد المناسبات التي قلنا فيها كلمات لا تمثلنا ولا تفصح في الحقيقة عن شخصيتنا؟ تعبيرات تعبانة، تجريدات نموذجية. كلمات إجتماعية حمقاء تذهب مع الريح. أو، والأسوأ من ذلك، بقايا مراهقة وأكاذيب جبانة. المرء يستطيع ان يزفر في اليوم آلاف الجمل الغادرة، ضد الآخرين وضد نفسه.نحن الكائنات الإنسانية مخلوقات نتشكل على مخرطة الكلمة، وأعتقد بأن المرء يمكن ان يدرك وضع هذا أو ذاك عبر ما يقول، اسمعوا خطابات وتصريحات السياسيين وستجدون كيف أن كلماتهم إتسخت بغبار خوائهم وتعصبهم، بغبار جهلهم وظلمة أفكارهم، إقرأوا المقابلات مع بعض المثقفين الناطقين بالعربية، السماسرة الذين يدورون من عاصمة عربية إلى أخرى، من مهرجان إلى آخر وإقرأوا معهم تصريحات مثقفينا المتلونين مع تلون كل مرحلة، وستكتشفون كيف أن كلمات الإثنين تنتج حصىً يُراد به كم الأفواه، إن لم تنتج سماً لا يهم إن تُحلى بكلام معسول. أن حياة متعصبة ومظلمة تغرف من الكذب وتتغذى من الجهل ستلوث بما لا يقبل الشك الكلمات بالعجاج، ستأتي كلماته خالية من أي تعبير، فمن يعيش بصدق وإستقامة، من ينام ويصحو على الإبداع، لا يستطيع في النهاية إلا أن يضع في الكلمات شحنات من الوجدان والشعور. وكما يُريد أن يقول لنا أحد

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram