TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > هواء فـي شبك :سكوتي آخر

هواء فـي شبك :سكوتي آخر

نشر في: 17 مارس, 2010: 07:40 م

عبدالله السكوتيبادرني بالقول: دعك من هذا الهراء ان الله في حلبجة كان قريبا من الاجساد المضمخة برائحة التفاح؛ لم يعد ينظر الى النافذة باتجاه بائع الدمى، باتجاهي ينظر ويتمتم: أرأيت الطفلة ممددة مع الدمية؟ من مات، الدمية ام الطفلة؟ وبسذاجة عالية قلت الطفلة، فقال بل الدمية ،
 قلت له ان ذاكرتي رجراجة لم تعد تذكر سوى من حفرها، ولذا لم اميز انني كنت مع برشنك في كركوك وهي في يد بائع الدمى فبكيت لفراقها عدة مرات . انتبه لما اقول وخاطبني: اخرجتني من صمتي عنوة ، كنت هناك في ثلج المدن الشمالية اتصفح وجوه الموتى فاندهشت، رأيتهم احياء، كانت من بين الاحياء فتاة اسمها كردستان وفتى اسمه نوروز، نهضا بعد ان تقيئا مسحوقا بنيا، كانا قد استنشقاه ، من بعد علمنا انه (كيمياوي) ؛ كنت اراقب وقع خطوات الموت وهو يغزو القرى الثلجية في السادس عشر من آذار وقبل عيد الاشجار بايام استنشقت اشجار السرو والصنوبر رائحة التفاح فانثنت جذوعها ومن ثم قاومت الخلطة السحرية التي اعدت في ليل الخامس عشر من آذار، كان الجاثم فوق صدر التاريخ اختاره من الشهور ليجعله جزءا من مأساة الكرد. كانوا عدة اطفال يضحكون ويمرحون والطائرات تبحث عن اتجاه الريح ، لتلقي طحينها على الارض ليثمر ثورة جديدة ؛ نظروا الى الاعلى بازدراء وخمنوا ان رذاذ الثلج والمن قد ترافقا هذه المرة ليسقطا على قريتهم ؛ كانوا اطفالا فرحين هم هكذا لم يميزوا بعد قرارات الغرف المظلمة ، هناك كان ملك الموت منشغلا بالاطفال ؛ تارات يبكي وطورا يقطف زهرات الحدائق الجميلة، انا علمت ان اسمه اوميد هو الذي بشر الاطفال بنديف الثلج المتساقط بفرح عجيب ، لقد عانق موته واحدا من مئات الالاف من الشهداء، قلت له: تتكلم بحسرة كبيرة، فأشاح بوجهه عني وتساقط بضع رذاذ من عينيه؛ كنت هناك اشاهد عقارب الوقت وهي تخلي القرى من ساكنيها باتجاه المجهول؛ غادرني ثانية للنافذة يبحث عن طفلة تدعى برشنك وطفل يدعى نوروز ؛ قلت له يبيع الدمى هذا الشيخ؟ قال: لافرق لدي، قلت: هل تؤمن ان احدهم انقذ الدمية من حريق في الطابق الثاني قبل الطفل، ومن ثم عاد ليخرجه من لهيب النار! عندها التفت الي وقال: لم استطع ترك الدمى ممددة مع الاطفال فلقد كان منظرا مؤثرا؛ سألته : هل يعلم القاتل ان الاطفال احباب الله، ضحك مني وصرخ باعلى صوته (نازل)، لم يودعني فقط رمقني بنظرة عتاب وقال: لماذا لم تكتب عن حلبجة، فخجلت، لا ادري من اخرسني، أعيون الاطفال ام عيون الدمى الواقفة ام عيون الحب؟ صحيح كانوا مجموعة اطفال ايقظهم اوميد من النوم ليستقبلوا (من السما) ونديف الثلج المتساقط من الطائرات التي تعرف اتجاه الريح بأجهزة حساسة وبأزرار عديدة انتهت حياة كانت آهلة بالحب واشجار الجوز ونديف الثلج المتساقط برائحة التفاح، ورائحة التفاح هي من جذب اوميد ودعاه الى ايقاظ الاطفال ليستقبلوا موتهم وحياة جيل آخر.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram