اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > محمد شرارة.. بقلم كريم مروة

محمد شرارة.. بقلم كريم مروة

نشر في: 19 مارس, 2010: 04:10 م

كريم مروهمحمد شرارة هو مثقف لبناني في ولادته ونشأته، وعراقي في مجمل نشاطه الثقافي والسياسي، وفي معاناته الطويلة حتى آخر لحظة من حياته. وُلد في عام 1906 في بلدة بنت جبيل. وهي مركز القضاء المحاذية قراه لمنطقة الجليل الأعلى، المنطقة الشمالية من فلسطين القديمة، التي يقول المؤرخون إنها امتداد لجبل عامل اللبناني. وكانت بلدة بنت جبيل الجنوبية هذه وبعض البلدات الجنوبية الأخرى المجاورة لها مركزاً معروفاً لنشاط علماء الفقه الشيعي، الذين يحصلون معارفهم الفقهية الدينية في جامعة النجف العراقية. وهي جامعة قديمة يعود تأسيسها إلى ما قبل ألف عام، كما يؤكد المؤرخون للحقبة الشيعية الإثني عشرية في الإسلام.
كان والد محمد شرارة، الشيخ علي شرارة، رجل دين. وكان جده لأمه رجل دين أيضاً، هو الشيخ موسى شرارة. وكان عدد من أقارب والده وجده رجال دين من النوع ذاته. وكانوا جميعهم يتميزون بأنهم جمعوا في نشاطهم بين اهتمامهم بدراسة الفقه الديني وبتدريسه لتلاميذهم، وبين الاهتمام بالأدب، بما في ذلك نظم الشعر. وكانوا، في الوقت عينه، يمارسون نوعاً من النشاط السياسي، تجلَّى في شكل خاص في مناهضة السلطنة العثمانية، وفي الارتباط معنوياً بالحركة المنادية بإقامة دولة عربية موحدة، ثم بالوقوف ضد الانتداب الفرنسي والاشتراك بالانتفاضات الشعبية التي عرفتها المنطقة في ثلاثينات القرن الماضي. ويقول بعض الذين أرَّخوا لتلك الحقبة من تاريخ جبل عامل اللبناني الجنوبي أن الشيخ علي شرارة والد محمد كان معروفاً بعلمه وأدبه، وبحضور مميز في المنتديات العلمية والأدبية، وأنه كان مختلفاً عن كثير من أقرانه في عزوفه عن التقليد والجمود في الدين والأدب والاجتماع، وأنه كان ضليعاً في اللغة العربية، وكان إلى ذلك شاعراً.في هذا المحيط الديني والأدبي والوطني، ولد محمد شرارة ونشأ ومارس طفولته ومراهقته. وكان من الطبيعي، وفق تقاليد تلك الحقبة، أن يبدأ أبناء هذا الوسط الديني حياتهم منذ الطفولة في عالم الدراسة الدينية، والتعرف على المبادئ الأولية في اللغة العربية. وهذا بالذات ما واجه محمد شرارة منذ مطالع حياته الأولى بالتزامه واجب الالتحاق بالدراسة الدينية في مدرسة والده، بخلاف ما كان يفعل الأبناء الآخرون الذين كان عليهم أن يلتحقوا بالكتاتيب القائمة، التي كانت تنتشر في البلدات والقرى. وفي مدرسة والده الشيخ علي تابع محمد الدراسة الدينية واللغوية مع زملاء آخرين له، وكان بينهم صديق عمره منذ الطفولة حسين مروة. وكان والده يجبره على حفظ القصائد المشهورة لكبار الشعراء القدامى والمحدثين، وهو لمّا يبلغ العاشرة من عمره. وكان يعاقبه عقاباً صارماً إذا هو ارتكب خطأ. فقد كانت تلك هي الطريقة التي كان يربى بها الأطفال في ذلك الزمن. وهي كانت تربية شديدة القسوة. وكان يكلفه والده بمهمات تعود في الأساس إلى الأكبر سناً. وكانت تتطلب منه الانتقال من بلدة إلى أخرى في المنطقة، والعودة إلى منزل الوالد في بنت جبيل في وقت متأخر من الليل. وكان عليه أن يسلك طرقاً موحشة تكثر فيها الضباع التي كانت تهاجم المارة وتهدد حياتهم. والأمثلة على تلك المغامرات وأحداثها كثيرة في المنطقة. وكان محمد ينفذ المهمات من دون تلكؤ، ومن دون خوف من المخاطر التي كان يعرفها ويعرف حجمها. والجدير بالذكر أن تلك المرحلة هي ذاتها المرحلة التي سبقت الحرب العالمية الأولى وترافقت معها. وكانت مرحلة مليئة بالمآسي التي عانى منها اللبنانيون في مناطقهم كلها،من أعمال قمع ونهب كان يمارسها الانكشارية الأتراك، وحالات جوع انتشرت وأودت بحياة الكثيرين. وهي الأوضاع التي قادت في تلك الفترة بالذات العديد من اللبنانيين ومن بينهم أبناء منطقة الجنوب إلى الهجرة إلى بلدان الاغتراب في أفريقيا وأميركا الجنوبية، البرازيل والأرجنتين خصوصاً. وتقول حياة أصغر بنات محمد شرارة في تعريفها بسيرة والدها، أن ظروف تلك المرحلة من حياته قد هيأته لأن يكون الشخصية الثقافية والسياسية التي عرف بها فيما بعد، خلال دراسته الفقه في جامعة النجف في العراق، ثم في المراحل اللاحقة التي أعقبت خروجه من سلك رجال الدين، وانتماءه من الباب الواسع، وبجدارة، إلى عالم أهل الثقافة في ميادينها المختلفة، وإلى عالم أهل السياسية في المعارك التي خاضها ودفع من حياته ثمناً باهظاً لها، من دون أن يصيبه ندم، أو يأس، أو مساومة. إلاَّ أن هذه السيرة تتخذ في رواية الأديب والمفكر حسين مروة صديق عمر محمد شرارة صورة حية أكثر وضوحاً. ويتحدث مروة في روايته هذه لسيرة صديقه عن العلاقة الحميمة التي جعلت منهما توأمين منذ الطفولة في مدرسة الشيخ علي والد محمد، مروراً بالدراسة في جامعة النجف، وصولاً إلى المراحل اللاحقة حتى نهاية العمر، التي كان محمد هو السباق إليها.يقول حسين مروة في مقال طويل يستعرض فيه مراحل من علاقته مع محمد شرارة في الدراية في لبنان وفي العراق: " تعارفنا ـ محمد وأنا ـ منذ مطالع العشرينات. إذ كان هو في نحو السادسة عشرة، وأنا في نحو الرابعة عشرة. وكما سبقني هو إلى الحياة سنتين، سبقني إلى طلب العلم في النجف سنتين أو أقل قليلاً. وسبقني أيضاً إلى الخروج من حظيرة أهل السلك الديني إلى مجالات النشاط الاجتماعي الحر. ثم سبقني ـ واأسفاه ـ إلى مغادرة العيش المادي في الحياة. تعارفنا أول مرة، يومذاك، في بنت جبيل حيث ولد محمد وعاش طفولته وفتوته... تعارفنا هناك كطالبين عند والده العالم الشيخ علي شرارة، وكنا أكثر من طالبين. كنا مجموعة من الطلبة الفتيان ننتمي إلى عدة أسر دينية في جبل عامل، أي أننا كنا في مرحلة الإعداد للدراسة ال

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ليفربول يخسر وديا أمام بريستون

مجلس الخدمة ينشر توزيع حملة الشهادات والاوائل المعينين حديثا

البرلمان يشكل لجنة إثر التجاوزات على اقتصاد العراق وأراضيه

بايدن يرفض دعوات الانسحاب من الانتخابات الامريكية : انتظروني الأسبوع المقبل

وفاة محافظ نينوى الأسبق دريد كشمولة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram