لمحمد شرارة يخطئ خطأ كبيراً من يعتقد بإمكانية حلّ ألغاز القلب الإنساني، أو معرفة أقرب أصدقائه بالتفصيل، إذ تومض في حياة كل فرد أحاسيس و أحداث ذات أهمية قصوى لا يمكن، الكشف عنها، و هي التي تحرك بالخفاء المشاعر و التصرفات التي يقدم عليها الإنسان.
كوكبٍ مرّ في الواحاتِ مرّ رواةُ قصتناو ما كانت حكايتناسوى قبلة... على خدٍعلى عنقٍ من البلورِ و العاجِو ما كانت سوى وقفةعلى طللٍ بلا خيمةو ما كانت سوى نظرةإلى برقٍ بلا غيمةسوى صوتٍ ترددهو تسكبه على زهرةوراءك نحلةٌ حلوةو تمتص الندى عنهاو تُبقي فوقها قطرةو تبدأ: كان يا ما كان إذا ما حانت السهرة * * * و كنتِ وديعةً كالظل تحت ذوائب النخلكقبّرةٍتراقبُ عشها المعبود في الحقلِكسائرةٍ على الأرضٍتقدّس فوقها المسرىلها في كل منعطف على جنباتها ذكرى * * *و كنتِ ذكّيةً كحمامة السرب الذي وقعاسرى في ضوء رؤيتها و شقّ الجوّ و ارتفعاو طار و طارت الأشباكتحت عزائم السربِيشدُ الريش أجنحةًتلملمها و تحميهاقلوبٌ لم تعد في السرب. سوى قلب.. سوى حب! * * *و كنتِ صغيرةً كالنجمِ كالإلهامِ كالسحرِكومضِ الوحي مرّ و حّط في بيتٍ من الشعرِو كنتِ بعيدةً كالنجمِكالأسطورةِ الحلوة.يموتُ السندباد و لا تلوح له جزائرهاو زورقه يذوبُ و لا تطالعه منائرهاو كنتِ صغيرةً كالبرعمِ الفتّانِ في الواديكشاديةٍ على نهرٍيذوّب صوتها الشادي * * *و كنتِ رقيقةً كالصوتِفي لغة العصافيرِو ناعمة كعطرِ الليلفي حقل الأزاهيرو كنت جميلةً كالمرجِكالزيتونِ في الغابةكأغنية تحومُ على بقايا وردةٍ ظمأى على صدرٍعلى شفةٍعلى أوتار حبّابة * * * و كنتِ قصيدةً تاهتعلى الرؤيا معانيهاترفرفُ في دروب الشمس غائمةً أغانيهاو كنتُ أطوف تحت الغيمِأبحثُ عن سرِرأيتك صدفةً في الليلِضائعةً على الدربِو خلفك نجمةُ العشاقِ هاربةٌ إلى الغربِفكنت هدّيةً للقلبِ و النغماتِ و الشعرِ * * *و كان لقاؤنا سلكاًيتمتم بين قلبين..و تيّاراً من النظرات يسري في جناحينو كنتُ أذوّب الرّمان تحت الدوحِو السكرو أنقلهنمن قدح إلى قدحو رحت أوّزع الأقداحو في رأسيغيوم النشوةِ الكبرىو لم أشربسوى نَفَسٍ من العطرِ!و مرّت في يديك يديفلم تعبثو لم تلعب و لم تشعربغير القدس يسري فيأناملها * * *و رحتُ ألّم عن شفتيك ما في الكرم من عنبو أبني من تمائمهحمىً للروح و الأنفاسمن دوّامة اللهبِ.و كان هواك كالأحلامِكالنبضاتِ في القلبِكساقية الضياء إذامشت برسالةِ الحبكتمتمة الطفولة إنتحرك تحتها المهدُكوجه الطفل لمّا لاح فوق عيونه النهدكشلالٍمن الياقوتِ و الفيروزِ و الذهبِيهدهدهلعابُ الشمس تحت خمائل الَغَربِ * * *و ذاب الليلُ و انطفأتذبالاتُ القناديلو لم تبق سوى الذكرىتلّوح بالمناديل.و أمواج من الأجراس في قلبي و في روحي تحمحم ثم تحملها خيولُ الريح في الريحِ11 * *أحبك فوق ما ضّمتمن الوجدَ الأساطيرُو ما لّمت من النفحاتو العطرِ القواريرو حبّك رايةٌ الأنصارِ في غَضَب البراكينِيظللني و يحمينيإذا ما اشتدت الحّمى هنالك.. في الميادين * * *إذا ما سرتُ فوق الصخرِو الأشواكِ كنتِ معيو في الأزماتِ و الظلماتِ كنتِ سراجيَ الهاديأسيرُ على أشعتهكعملاقٍ من التاريخيهز الريحَ و الأبواب و يكسرُ صخرةَ الواديو يسري في غبارِ الدهرِ شلاّلاً من الومضِو تزحفُ خلفه الراياتُمن أرض إلى أرض. * * *و لما أدخلوني السجنَكنتِ حمامةَ النجوىسمعتك فوق نافذتيحنيناًنغمة نشوىو صوتاً يحمل النسماتِ و الآهاتِ و السلوىو في شفتيك ما في الوردِمن شوقٍ و من غضبِو في خديك ما في الكرمِ من وردٍ و من عنبِلعاً.. فتانّةَ العنينو الخطواتِ و القامةستبقى الشمسُ في وطنيتغازلُ فيه أنسامهو يبقى الحبُ في نجدٍ ينابيعاً و في رامهو أنت هنالك.. في التاريخرؤىً.. أقصوصة.. نظرةو صوتٌ يحمل العوذات و الأقداس في نبرةستبقى الشمس في وطني له ما دمتِ تعطيهو تغنيه بما حملت يداك له و تحميهلعاً.. فتاّنة العينين و اللفتات و القامةغداٍ في الشام موعدنا على الربواتِ تحت الحورِفي دمّر و الهامةو في بغداد حيث المجد يعيد الدورةَ الكبرىإلى الأفلاكِ.. و التاريخ و يبني فيه أعلامه. * * *نظم محمد شرارة هذه القصيدة بعد أن خرج من السجن
أغنية الذكرى من: "ديوان شفق الفجر"
نشر في: 19 مارس, 2010: 04:11 م