TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > محمد شرارة.. من الإيمان إلى حرية الفكر" لبلقيس شرارة

محمد شرارة.. من الإيمان إلى حرية الفكر" لبلقيس شرارة

نشر في: 19 مارس, 2010: 04:20 م

خالد غزالفي كتابها الصادر عن "دار المدى" بعنوان "محمد شرارة، من الإيمان إلى حرية الفكر"، تقدم بلقيس شرارة سيرة سياسية – فكرية - نضالية عن والدها اللبناني العراقي محمد شرارة. على رغم إن الكتاب مخصص في الأصل لتظهير مراحل في حياة والدها وطبيعة فكره وأدبه، إلا إن الكتاب يحمل صورة مزدوجة عن حياة محمد شرارة في سياق التطورات السياسية التي كانت تعصف بالعراق منذ العهد الملكي قبل ثورة 14 تموز عام 1958 ثم استيلاء البعث على السلطة في عام 1963
وصولا إلى فترة سيطرة صدام حسين على السلطة عام 1979 وما بعدها.صحيح إن الكتاب سيرة ذاتية، إلا انه تحول بالفعل مرجعاً يمكن من خلاله قراءة التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية والفكرية التي عصفت بالعراق على امتداد نصف قرن. وعلى رغم ما تتسم به السير الذاتية من محاباة وضعف الموضوعية أحيانا، وخصوصا ما يرد على لسان الكاتب نفسه، أو بقلم اقرب انسبائه، إلا إن بلقيس شرارة استطاعت أن تقدم صورة عن والدها تتسم بالموضوعية والشفافية، من دون أن تسقط في الذاتية الهادفة إلى تلميع صورة والدها.محمد شرارة هو ابن جبل عامل الجنوبي اللبناني، ولد مطلع القرن الماضي وترعرع في مناخ اتسم بهيمنة الأدب في بيت أدبي، حيث كان ملزما منذ الصغر إتقان اللغة العربية وحفظ الشعر العربي. وعلى غرار تقليد كان سائدا يقضي بإرسال المتفوقين من أبناء الجبل إلى العراق من اجل الدراسة في النجف تمهيدا للبس العمامة والعودة إلى البلد كرجل دين وعلم، أرسل محمد شرارة إلى النجف في عام 1920، وانخرط في حلقات الدراسة على أيدي علماء دين كبار هناك من أمثال النائيني والجزائري وكاشف الغطاء. لكن حسه النقدي والعقلاني في الآن نفسه وضعه في تصادم مع الكثير من المفاهيم السائدة والمستخدمة في التدريس، شكلا ومضمونا، فقاد حملة على المناهج، وسلّط سيف النقد على ما تحويه من غيبيات وبعد عن الواقع، إضافة إلى مخالفتها منطق العقل. هذا التحول في تفكيره جعله يخلع العمامة مبكرا، في حدود عام 1936، مخالفاً بذلك رغبة والده في أن يصبح عالم دين. خلع العمامة هذا، سار عليه عدد من الدارسين اللبنانيين في النجف كان منهم الراحل حسين مروة ثم  صدر الدين شرف الدين وغيرهما من الذين تحولوا إلى خيارات فكرية وسياسية لا علاقة لها بالأصل الذي أتوا العراق من اجله، وذلك عبر التحول إلى تيارات اشتراكية ويسارية.بعد خلعه العمامة، تحول محمد شرارة إلى التعليم في المدارس الثانوية، لكن الجديد والأبرز هو انخراطه في الحياة السياسية في مرحلة اتسمت بصعود الحركة القومية والنضال من اجل التحرر من الاستعمار، فاستمر نشاطه السياسي، صاعدا أحيانا ومتقطعا أحيانا أخرى، حتى وفاته عام 1979. تحول محمد شرارة إلى الاشتراكية، وانخرط في نضالات الحركة الشيوعية التي كانت تعيش حالة ازدهار في العراق، وكان في قلب السجالات الفكرية والسياسية التي شهدها العراق على يد التيارات الماركسية والليبرالية والقومية. في الخمسينات، وقبل انقلاب تموز عام 1958، شهد العراق فترة اضطهاد وقمع على يد نوري السعيد، فأُدخل شرارة إلى السجن ونزعت عنه الجنسية العراقية، مما اضطره للعودة إلى لبنان. استبشر خيرا بثورة تموز 58 وانهيار الحكم الملكي، لكنه فجع بالمآل الذي تحولت الثورة إليه، حكماً ديكتاتورياً أسوأ من السابق، واضطهاداً أصاب الشيوعيين، ومذابح وتنكيلاً بالقوى الديمقراطية المعارضة. لم يكن يوما على وفاق مع حكم حزب البعث، وهذا ما تسبب له بالاعتقال والسجن. عاش معاناة الحكم الديكتاتوري البعثي في العراق، وتضاعفت معاناته اللبنانية بعد اندلاع الحرب الأهلية وما سبقها من اعتداءات إسرائيلية كانت تطال الجنوب.تشير بلقيس شرارة إلى محاور في تفكير والدها الأدبي ونشاطه، فقد كانت داره في بغداد ملتقى للأدباء والشعراء والسياسيين حيث كانت تعقد الندوات التي ساهمت في إطلاق الشعر الحديث. وكان له دور في تأسيس "الجمعية العاملية – النجفية" التي كانت تضم مجموعة من الشباب اللبنانيين والعراقيين الذين كانوا يدرسون في مدارس النجف، حيث تكونت لديهم آراء ناقدة للمدرسة الدينية ولبرامجها التعليمية. تحوّل محمد شرارة إلى الماركسية في الأربعينات، واتجه إلى استخدام التحليل المادي للتاريخ في كتاباته. اتخذ موقفا معارضا بقوة للأساليب المستخدمة في إحياء ذكرى عاشوراء، وخصوصا ما يتصل منها بالضرب بالسلاسل واللطم على الصدور وتدفق الدم من الجسم، ودعا إلى تهذيب المراسم بجعلها مراسم حضارية ترفع من سمعة البلاد ولا تؤذي صحة البشر، وهو موقف نال عليه محمد شرارة النقد والتهجم من رجال الدين في العراق.تميز شرارة بموقف جريء في الدفاع عن حقوق المرأة، ودعا إلى المساواة الكاملة لها مع الرجل في الحقوق، وكان عقلانيا مؤمنا بدور أساسي للمثقف في تطوير الحياة الاجتماعية وفي تقدم البلاد علميا وسياسيا. دفعه انتماؤه إلى تيار الاشتراكية وتبني مفاهيمها النظرية وخصوصا الماركسية منها، إلى التزام الواقعية في الأدب والشعر والفن، على غرار ما كان سائدا آنذاك من إخضاع المفاهيم الفكرية والأدبية إلى تيار الالتزام السياسي واعتبار الواقعية الطريقة الصحيحة في التعبير عن مصالح الجماهير، إضافة إلى التأكيد إن هذه الواقعية هي المفهوم العلمي والصحيح الواجب التزامه في جميع الميادين.كانت بلقيس محمد شرارة غنية ومعطاءة في ميادين متعددة، عل

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram