تظل تنحية سنان الشبيبي محافظ البنك المركزي هي الواقعة الأكثر تعبيرا عن غياب حكم القانون، والأكثر تعبيرا عن حجم الاستبداد والفساد في البلاد. ولذلك فانها صفحة يجب ان لا تطوى، وقضية يجب أن لا تنسى.
ان المصيبة في هذه الواقعة هي أن هناك أربع جهات اشتركت من خلالها بالتجاوز على القانون: مجلس النواب، هيئة النزاهة، القضاء، مجلس الوزراء. أي السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية اضافة الى "مؤسسة مستقلة" هي هيئة النزاهة. رئيس مجلس النواب احال تقريرا أعدته لجنة برلمانية الى هيئة النزاهة. هذا هو التجاوز الأول. اذ لا توجد في الدستور ولا في النظام الداخلي لمجلس النواب ولا في أي من قوانين البلد صلاحية تتيح لرئيس مجلس النواب القيام بهذه الخطوة.
ما توجبه كل هذه القوانين على مجلس النواب في هذه الحالة هو الاجراءات المعتادة للرقابة والمساءلة، مثل استضافة البرلمان للمحافظ أو استجوابه. والبرلمان هو الجهة الوحيدة المخولة بموجب الدستور بمثل هذه الصلاحية تجاه البنك المركزي، باعتبار الأخير "هيئة مستقلة". وتعطي المادة 67 من النظام الداخلي لمجلس النواب "حق استجواب مسؤولي الهيئات المستقلة وفقا للاجراءات المتعلقة بالوزراء وله اعفاؤهم بالأغلبية المطلقة".
هذا يعني ببساطة أن السلطة التشريعية هي وحدها صاحبة الصلاحية في التحقيق مع محافظ البنك المركزي، وفي اصدار الحكم عليه بالبراءة أو الإدانة. ويقضي النظام الداخلي للبرلمان بأن "ترفع اللجنة بعد انهاء التحقيق تقريرها وتوصياتها الى هيئة الرئاسة لعرضها على المجلس لاتخاذ ما يراه مناسبا". ولكن الذي حدث هو ان رئيس المجلس أحال تحقيق اللجنة البرلمانية الى هيئة النزاهة وليس الى البرلمان، في مخالفة صريحة للقانون.
وكل الخطوات اللاحقة التي اتخذتها المؤسسات الأخرى بنيت على هذه المخالفة: قيام هيئة النزاهة بإحالة تحقيق اللجنة البرلمانية الى القضاء، قرار القضاء باصدار مذكرة توقيف بحق محافظ البنك وبعض كبار موظفيه، واخيرا قرار "مجلس الوزراء" اعفاء محافظ البنك المركزي من منصبه. وهذا القرار الأخير، على رأي القاضي وائل عبد اللطيف، "صدر دون ان يستند الى أي اساس دستوري او قانوني وبالتالي فانه يعتبر معدوما، كما هو قرار رئيس مجلس النواب، والقرار المعدوم لا تترتب عليه اية أثار دستورية أو قانونية . لأن القرار غير الدستوري وغير القانوني هو والعدم سواء".
ولكن واقع الحال أن القانون في هذه الحادثة هوالذي أصبح والعدم سواء. وهذا هو بالذات تعريف الاستبداد: انعدام حكم القانون. والأسئلة التي تطرح بمرارة هي:ما هذه المصادفة العجيبة التي تجمع كل السلطات وكل "الطبقة السياسية" في مؤامرة على القانون؟ ولماذا يجتمع كل هؤلاء القوم ضد شخص ناجح ونزيه؟ ولماذا لا يخشون على أنفسهم من مصير مشابه؟ ومن اين جاءتهم كل هذه الجرأة على الحق؟
والحق في هذه الحالة ليس شخص الشبيبي، على أهمية الحالة لتجسيدها تصرفا همجيا، ولا استقلالية البنك المركزي، رغم أهميتها الحاسمة للاقتصاد الوطني، وانما هو فرص البلاد في الاستقرار والتنمية. ونسبة تحقق كل منهما مرهونة بنسبة ما يتحقق من حكم القانون. ولن يكون هناك استقرار في دولة شعارها طرد الناجح وحبس النزيه. ولا تنمية ولا تطور اذا لم يكن العقل آمنا والمال مصونا. بل ليس هناك وطن أصلا اذا لم يكن عنده قانون يحميه.
قضية الشبيبي يجب أن لا تصبح ماضيا لأنها تمثل خيار المستقبل:هل هو ولاية بطيخ أم ولاية قانون؟
جميع التعليقات 1
محمد عباس
سيد احمد احييك على ماتقول وكل ماتكتب...لاقل اني احييك على حرقة الدم التي تكتب بها وانا اثق بما تكتب، لكن لدي مشكلة واحدة ارجو ان تتخذ النخب الشيعيةالي بيه حظ موقفا حاسما منها الا وهي الايمان واليقين الكامل ان السلطة بعد 2003 بكل مكوناتها لاتقل سوءا وانعد