TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > حرب الشِّعارات

حرب الشِّعارات

نشر في: 21 مارس, 2010: 04:10 م

عبد الكريم يحيى الزيباريإذا لمْ يكُنْ شعاري إلَيكُمْ ذَرِيعَةً، فَيا لَيتَ شِعرِي: ما تكونُ الذّرَائِعُ؟ هذا لسان حال الأحزاب، ولسان حال المواطن العراقي يقول: يا ليت لي نعلين من جلد الضبع،  وَشَرَكَاً مِنْ إسْتِهَا لا تَنْقَطِعُ، ولسان حالي يقول: ليت الحرب بين الأحزاب تبقى في خانة الشِّعارات الصادقة القابلة للتطبيق،
بعيداً عن المزايدات الوطنية الرخيصة، كما في دول العالم الأول، ولا تنتقلُ إلى حرب الشوارع والأزقة والمحلات، ويقول في ذلك عنترة العبسي يَذُمُّ التمني والطمع الكاذب(ألا قاتلَ الله الطلولَ البواليا، وقاتل ذكراك السنين الخواليا، وقولك للشيء الذي لا تناله، إذا ما هو أحلولي ألا ليت ذاليا).كان رولان بارت يتنزَّه في بلدته التي تقع في الجنوب الغربي في فرنسا، بلدة هادئة يقطنها صِغار المتقاعدين، فقرأ على باب فيلات ثلاث، ثلاث لافتات مختلفة(كلب شرير- كلب خطير- كلب للحراسة)فأخذَ يفكِّر في تفاحة نيوتن، واستنتجَ بارت (إنَّ هذه التعبيرات الثلاثة لا تكون سوى تعبير واحد ورسالة واحدة: "لا تدخلوا" وإلا سَتُعَضُّون..عبارة "هذا كلب شرير" عبارة عدوانية، وعبارة "هذا كلب خطير" تنمُّ عن حب للبشر، وعبارة "هذا كلب للحراسة" عبارة تبدو في ظاهرها موضوعية.. مالك الفيلة يختبئ وراء خطابه)رولان بارت- هسهسة اللغة- ترجمة د.منذر العياشي- مركز الإنماء الحضاري- 1999- حلب- ص160.يختبئ كل حزب وكل قائمة انتخابية وراء شعاراتها، وكلُّ إنسانٍ وكلُّ جماعةٍ بشرية تختبئ وراء لغتها، ويضيف بارت(فالمجتمع ببناه الاجتماعية- الاقتصادية والعِصابية، يتدخَّل وهو الذي يبني اللغة كما لو أنَّها حَيِّز حربي.. ولقد نقول إنَّ الترادف هو الذي يسمح للغة بالانقسام، ذلك لأنَّ الترادف مُعطى نظامي وبنيوي وهو على نحوٍ من الأنحاء مُعْطَى طبيعي من مُعطيات اللغة، ولكن الحرب اللغوية هي نفسها ليست طبيعية: إنَّها تنشأ هنا، حيث يحوِّل المجتمع الفوارق إلى صراع/ بارت/ هسهسة اللغة/ ص160). والإنسانُ لا يُظْهِرُ ولا يكشفُ هويته حتى يُطلبَ منه ذلك، لكنَّه غالباً ما تنكشِفُ هويته بمجرد نطقه لكلمات محدودة، فهل بمقدور أحدهما- اللغة والهوية- الاستغناء عن الآخر؟ وبماذا تمتازُ كلُّ أُمَّـةٍ عن غيرها؟ كيف للغة أن تميِّزَ خِطاباً عن آخر؟اللغة موجودة حتى في صمت الإنسان، وطريقة نظرهِ شزراً أو جذلاً، أو حزناً، أو عن طريق لمسةٍ خفيفة، أو نظرة موحية تقول أكثر مما تقوله مقالةٌ طويلة، واستشهد جان جاك روسو(ويذكر شاردان أنَّ الدَّلالين في جزر الهند يمسكُ بعضهم بأيدي البعض، ويغيِّرون من أساليب تلامسهم، بحيث لا يفطنُ إليهم أحد، فيعقدون بذلك كل صفقاتهم سِرَّاً على رؤوس الملأ، ومن غير أن يتبادلوا كلمةً واحدة.. وهو ما يبيِّن أنَّنا نقدر بالاقتصار على أحد الحسِّين اللذين بهما فعالياتنا على أن نجعلَ لأنفسنا لغة... بل ثَمَّـة ما يدعو إلى الاعتقاد بأنَّ لغة القنادس ولغة النمل إنَّما هي لغات إشارة، ولا تُخاطب إلا العيون/ جان جاك روسو- محاولة في أصل اللغات- ت: محمد محجوب- آفاق عربية- 1986- بغداد- ص31.ولغة النمل حقيقة علمية قال بها القرآن، وأكدتها الأبحاث العلمية، فمن غير المعقول أنَّ النمل وهو يعيش في نظام عائلات، ويتم توزيع الوظائف بحسب الفئات العمرية، والطبقة العائلية، بين آلاف النمل، وبناء المستعمرات الكبيرة، بدون وجود لغة للتفاهم. وذكرَ الجاحظ في كتابه الحيوان عن النمل(إنّ سادتها اللَّواتي يخرُجْنَ من الجُحْر، يرتَدْنَ بجماعتها، ويستبقن إلى شمِّ الذي هُو مِنْ طعامهنَّ/الحيوان- ج4- باب سادة النمل- ص304.والنمل يعتمد الرائحة لغةً للتخاطب والتفاهم، وهي لغة خفية، صامتة، حيث تفرز  مواد كيماوية " فرمونات "، ويقصر الباحثون استخدام كلمة " فرمون " على وصف الرسائل الكيماوية المتبادلة بين حيوانات من السلالة نفسها، وإذا طبقنا هذا على عالم النمل نجد أن النمل يتميز برائحة خاصة تدل على العش الذي ينتمي إليه، والوظيفة التي تؤديها كل نملة في هذا العش، وحينما تلتقي نملتان فإنهما تستخدمان قرون الاستشعار، وهي الأعضاء الخاصة بالشم، لتعرف الواحدة الأخرى، ووجِدَ أنه إذا دخلت نملة غريبة مستعمرةً غير مستعمرتها، فإنَّ النمل يتعرفُّ إليها من رائحتها، ويعتبرها بمثابة عدو، ويهجم عليها، وفي إحدى التجارب وُجِدَ أنَّ إزالة الرائحة الخاصة ببعض النمل التابع لعشيرة معينة، بإضافة رائحة خاصة بعشيرةٍ أخرى عدوة، أدَّت إلى مهاجمته بأفراد من عشيرته نفسها. وفي تجربة أخرى عم غمس نملة برائحة نملة ميتة ثم أعيدت إلى عشها، فلوحظ أن أقرانها يخرجونها من العش لكونها ميتة، وفي كل مرة تحاول فيها العودة يتم إخراجها ثانية على الرغم من أنها حية تتحرك وتقاوم، وبعدما تمت إزالة رائحة الموت فقط تم السماح لهذه النملة بالبقاء في العش.وكذلك الإنسان الغريب تنكشِفُ جنسيته وشخصيتهُ وطريقة تفكيره بعدما يتكلَّم، كما قال إبرهة الحبشي لعبدالمطلب: قد كنت أعجبتني حين رأيتك ثم زهدت فيك حين كلمتني أتكلمني في مائتي بعير أصبتها لك وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه لا تكلمني فيه، فقال له عبد المطلب إني أنا رب الإبل وإنَّ لل

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

صحيفة عبرية: "إسرائيل" وأميركا يخشوّن أنصار الله كونها جهة يصعب التغلب عليها

الأنواء تحذر من رياح عالية في العراق

مقتل إعلامية لبنانية أمام المحكمة

لا حلول لـ"الشح".. العراق يلوح بـ"تدويل" أزمة المياه مع تركيا لزيادة حصصه

اعتقال قاضي المحاكم الميدانية في سجن صيدنايا بسوريا

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram