خالد نعمة الشاطيانتهت الخطوة الأولى من الخطوات الألف للميل.. الزهرة الأولى للشجرة الديمقراطية.انتهت الانتخابات البرلمانية بشكل امتلأنا فيه سروراً وغبطة وأثلج صدر العالم المتحضر وأصابه بالدهشة بقدرتنا السريعة على أن نكون ضمن ركب التمدن والحضارة.ومن الجانب الأخر أزعجت هذه الانتخابات كل الأنظمة الشمولية والديكتاتورية التي راهنت على فشلها وملأتها خوفا من أن ترنو شعوبها إلى تجربة العراق الوليدة.
ولكن هل تستمر التجربة بهذا الشكل الشفاف إلى نهاية الطريق واختيار الحكومة وأعمدتها.انها هواجس الديمقراطية ومخاوف الديكتاتورية.من الأهمية بمكان القول أن الديكتاتورية والديمقراطية هما من الكلمات القليلة جدا التي تمثل ركائز أساسية ومهمة تقف عليها سياسة عالم اليوم والتي سبق وانحصر بينهما صراع دموي مرعب استمر مئات الآلاف من السنين.ما هو المفهوم المعاصر الذي يترسخ في أذهاننا (نحن الذين لا نستطيع أن نرى إلا من بعيد) تجاه كل من هاتين المفردتين (الديكتاتورية والديمقراطية) حتى يكون بمقدورنا اختيار الحكومة والرئيس بالاعتماد عليهما.الديمقراطية.. بمعناها البسيط هي أن تصنع خروفا من بين مجموعة اسود ليحكمك، وينفذ قراراتك ويلبي حاجاتك الأساسية، وبالتالي فان هذا الخروف (الأسد) سيكون قويا ومتزناً وعقلانيا لان مادته الأولية التي ساهمت في صناعته قوية ومتينة وهي (الأسود) التي تضبط سلوكياته ومسيرته وقراراته. ولذلك نرى في جميع البلدان الديمقراطية أن قرارات الأغلبية (وهي المادة الأولية باختيار الرئيس) هي التي تنفذ وتمارس.واما الديكتاتورية فهي انك تصنع (أسداً) من بين مجموعة خراف ليحكمك.. وبما أن الخروف لا يمكن أن يكون أسداً (حسب تصور الخروف) إلا بعد أن يمارس مهمات الأسد، لذلك تجد أن قراراته غالبا ما تكون قاسية ودموية لعدم وجود قاعدة متينة ومادة أولية قوية تضبط تصرفاته وقراراته لأنها أصلاً مجموعة من الخراف. وغالبا ما يلجأ هذا الأسد (الخروف) إلى وسائل عديدة لكي يثبت لنفسه بأنه أصبح أسداً حقيقياً، وأول هذه الوسائل هو التهام الخراف التي جعلت منه أسداً..ولهذا فان الحكمة تقول، انه من اليسير عليك أن تكون أسداً ويحكمك خروف لأنك في هذه الحالة قادر على إزاحته وتبديله لو ساءت نواياه وشذ عن الطريق..ولكن من العسير عليك أن تكون خروفا وتصنع من خروف أخر أسداً وتمنحه سيفا ليحكمك ويتصرف برقبتك كيفما شاء..ومن الضرورة القصوى ألان النظر إلى حقوق الإنسان والحريات الممنوحة على وفق هذه الحقوق لهذا الإنسان الذي يعيش على هذه الأرض بسبب ارتعاشنا من المقارنة بين البشر المطبوع في عقولنا ويسبب رجفة دائمة في عظامنا وأعصابنا وقشعريرة في نفوسنا، ومن خلاله صياغة العقلية السياسية لشخصية الرئيس الذي سيقع الاختيار عليه.لأننا لو جمعنا كل الحريات الممنوحة للإنسان العربي في البلدان العربية (مثال الديكتاتورية) لوجدناها لا تكفي طفلا صغيرا أن يلعب الغماية في باب منزله دون أن يتذكر صرخة أبيه.ولو تفحصنا حرية مواطن واحد من البلدان الأوربية (مثال الديمقراطية) لوجدناها كافية لان تكون دافعا قويا لابتكار المعجزات والاختراعات والمنجزات والمشاريع الإبداعية.قال احد الفلاسفة من الماضي القريب..ان الحمار في البلدان الأوربية يتمتع بلائحة كاملة من حقوق الحمار إضافة إلى تمتعه بشيء من مفردات حقوق الإنسان. اما الإنسان في البلدان العربية فانه لا يتمتع بأي شيء من لائحة مفردات حقوق الإنسان ولا يتمتع حتى بمفردات حقوق الحمار.وبناء على هذه الصورة فان الشعور الذي يتراكم في عقولنا بان الحرية ممنوحة لنا من قبل الكراسي العليا وبالتالي فإنها معرضة دائما للتصرف أو الإلغاء أو التقنين والتعديل، يجب أن يتعرض هذا الشعور إلى التربية والتدجين والتمحيص والغربلة حتى نصل إلى اليوم الذي نعي فيه أن الحرية هبة ربانية تولد مع الإنسان عند ولادته ومن حق الإنسان نفسه فقط أن يمتلك القرار بالتصرف في حريته كيفما شاء، وليس من حق الجالس على الكرسي مهما كان نوعه أو عنوانه أن يعمل على إلغائها.ولذلك فان الحرية الممنوحة للفرد تمثل المجال التنافسي الأكبر في الدول الأوربية للوصول إلى كرسي الرئاسة وعليه يستوجب على المنافس ابتكار أفضل الوسائل في صيانة الحرية وتقديمها بشكل أفضل للفرد وتنميتها وتشذيبها من الخروقات الطارئة التي تقف عائقا أمام ممارسة الإنسان لحريته بالطريقة التي تحفظ كرامته وإنسانيته.وفي الوقت الذي تعمل فيه الدول الأوربية على أن الديمقراطية هي المبدأ الوحيد للشرعية السياسية المقبول حاليا في المجتمعات السلمية، مهما كانت اعتقاداتها ومواقفها الدينية وهي التي تلبي حاجات المجتمعات المعاصرة، وأنها فعلا الخيار الوحيد الناجح في سبيل تحقيق الإدارة السلمية العقلانية للشؤون العامة، وهي أكثر الوسائل فاعلية في الحد من سوء استخدام السلطة وحماية الحريات الشخصية وتمكن الأفراد من الاهتداء إلى الانجاز الشخصي.نعمل نحن (الذين لا نستطيع أن نرى إلا من بعيد) في الدول العربية في نفس هذا الوقت على أن الديمقراطية هي مشروع مؤجل حتى تتوفر الشروط الأخرى.والكارثة هنا نحن لا نعرف حتى هذه اللحظة ما هي الشروط الأخرى.
صناعة الرئيس
نشر في: 21 مارس, 2010: 04:13 م