TOP

جريدة المدى > ملحق ذاكرة عراقية > جعفر ابو التمن والموقف من الانتداب البريطاني

جعفر ابو التمن والموقف من الانتداب البريطاني

نشر في: 21 مارس, 2010: 04:50 م

د. سليم الشمريتأثرت مسيرة جعفر السياسية باصرار بريطانيا على ان يكون لها نفوذ في العراق. وبدأت تلك المسيرة حينما اخذ ابو التمن على عاتقه مسؤولية حث الناس وتنبيههم الى ضرورة تقوية القدرة الادارية العراقية في مواجهة الادارة البريطانية. زد على ذلك تحركات (ابو التمن) للتقريب بين الطوائف العراقية لنيل الاستقلال الوطني، الامر الذي ازعج السلطات البريطانية اذ نعتته دائرة المباحث الجنائية cid بأنه خطر على الجماهير، لذا امرت بأعتقاله غير انه سافر الى ايران عام 1919، لكن ابو التمن عاد الى بغداد في نفس العام وانظم الى (حرس الاستقلال) وهي جمعية سرية اسسها عدد من الوطنيين تنادي بالاستقلال التام لدولة عراقية تضم الولايات الثلاث (بغداد، البصرة، الموصل)
على ان يكون رئيس تلك الدولة ملكاً ومن ابناء الشريف حسين، كما ان الملكية التي يريدونها برلمانية دستورية ديمقراطية. وقد انتخب ابو التمن رئيساً للجنة التنفيذية في الجمعية (5).زادت حدة الاحتدام والصراع بين البريطانيين والوطنيين العراقيين، بعد ان تأكد لدى الشعب ان بريطانيا لن توفي بوعودها التي قطعتها للشعب العراقي، الامر الذي ادى الى قيام ثورة في الفرات الاوسط عام 1920 وقد التحق بها جعفر الذي صدر بحقه امر القاء القبض بعد ان ادى (ابو التمن) دوراً مهماً في نشاطات ثورة العشرين اذ عمل مستشاراً لقادة الثورة، فضلاً عن إلقائه الخطب الحماسية المشجعة التي تحث الناس على المواجهة، غير ان بريطانيا نجحت في اخماد الثورة مما حدا بابي التمن الى السفرللحجاز حيث التقى الشريف حسين هناك، وبعد عودته الى العراق عارض (ابو التمن) الانتداب البريطاني وطالب الملك فيصل بضرورة تشكيل المجلس الوطني الذي يحدد طبيعة العلاقة بين العراق وبريطانيا (6).ونتيجة للدور (الموفِق) الذي لعبه (ابو التمن) بين الاطراف السياسية المتنازعة، من حكومة وعناصر وطنية وقيادات دينية، ورغبته في تنمية الشعور بالوطنية العراقية لاسيما بعد الاعتداءات التكفيرية للاماكن المقدسة في العراق، ودور (ابو التمن) في توحيد صفوف العراقيين لمواجهة تلك التحديات، اقول نتيجه كل ذلك قام الملك فيصل بتعيين جعفر (ابو التمن) وزيراً للتجارة في ابريل 1920.وقد اتبع جعفر سياسة معتدلة، اذ نجح في جمع الملك بالعلماء والوجهاء الوطنيين والشخصيات الجماهيرية البارزة. وقد ادى ذلك الى احراج ملحوظ لانصار الملك والمندوب السامي البريطاني، ذلك لان جعفر في الوقت الذي كان يعمل فيه لمساندة الملك وتوطيد الدولة الجديدة، كان معروف من جهة اخرى بصلابته وعدم مساومته ازاء التدخل البريطاني وتحمسه للاستقلال ونيل الحرية الكاملة. ونتيجة لمعارضة عدد كبير من الوطنيين العراقيين للانتداب البريطاني، قررت بريطانيا تغيير الانتداب الى معاهدة ذات بنود تعطي بريطانيا امتيازات وصلاحيات مشابهة للانتداب. لذا عارض (ابو التمن) هذه المعاهدة ايضاً بنفس الشدة التي عارض بها الأنتداب، ولم تفلح الاجتماعات التي عقدها معه المندوب السامي البريطاني ورئيس الوزراء عبد الرحمن النقيب في تغيير وجهة نظره، الا ان مجلس الوزراء صادق على هذه المعاهدة، مما حدا بابي التمن الى الاستقالة من الحكومة في (26 / 6 / 1922) (7).لم ينته رفض (ابو التمن) للمعاهدة باستقالته من الحكومة، بل تعداه الى تشكيل (الحزب الوطني) وهو حزب معارض للانتداب والمعاهدة على حد سواء. وقد نجح (ابو التمن) في توحيد جهود حزبه مع جهود حزب النهضة لغرض رص الصفوف، وتقوية المعارضة ضد السياسة البريطانية، اذ شن هذان الحزبان حملات نقد عنيفة، ومعارضة شديدة للمعاهدة، وصلت الى تظاهرات في القصر الملكي، الامر الذي اثار حفيظة المندوب السامي، فطلب من الملك فيصل اعتقال ابرز شخصيات الحزبين المعارضين، الا ان الملك رفض طلبه، مما حدا به الى اصدار عدة قرارات صارمة لمواجهة تلك المعارضة. منها اعتقال عدد كبيرمن رموز المعارضة، واغلاق مقر الحزب الوطني، ونفي عدد كبير من الوطنيين العراقيين خارج البلد. وقد القي القبض على ابي التمن في 26 / آب /1922 وتم نفيه الى جزيرة هنجام في الخليج. سعى عدد كبير من العراقيين الى اطلاق سراح ((ابو التمن)) ـمن رجال دين وشيوخ عشائر وبعض الشخصيات الشعبية والثقافية ـ إذ لم ينفك الشاعر الكبير معروف عبد الغني الرصافي يدافع عن حقوق ((ابو التمن)) واصحابه، من خلال القصائد الثورية التي تحرك مشاعر الجماهير، غير آبه بتحذيرات المس بيل سكرتيرة المندوب السامي في العراق، زد على ذلك ان حكومة النقيب قد استقالت في 17 / تشرين الثاني / 1922 بسبب المشكلات التي اثيرت حول اجراء الانتخابات البرلمانية، وقد شكل عبد المحسن السعدون الحكومة الجديدة التي اعلنت نيتها في إعادة المبعدين، بينما هنالك تردد واضح من الحكومة والاحتلال البريطاني في اعادة (ابو التمن) الى العراق لاسيما ان جميع المبعدين قد وقّعوا على تعهد بعدم ممارسه اي نشاط معارض للمعاهدة، غير ان (ابو التمن) رفض التوقيع على هذا التعهد. وقد نجح الملك فيصل في اقناع المندوب السامي البريطاني بضرورة اطلاق سراح (ابو التمن)، إذ قال له بأن لديه تخوفاً من ان يصبح (ابو التمن) (سعد زغلول العراق)، وكان في نهاية الامر ان عاد (ابو التمن) الى بغداد في العاشر من مايس 1923، دون ان تفرض عليه اية شروط.كانت الفترة بين عامي (1924ـ 1928) فترة عزلة سياسية لجعفر إذ تجنب خلالها اي نشاط سياسي فعّال، بسبب ما عاناه في هنجام، فضلا عن طبيعة المرحلة السياسية الحرجة التي يمر بها البلد آنذاك، لذا كرس معظم اوقاته في ادارة اعماله التجارية. غير ان هذه الغيبة عن الساحة السياسية كان لها اثر سلبي على طبيعة العمل السياسي، لانها

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

د. عبدالخالق حسين لو لم يتم اغتيال ثورة 14 تموز في الانقلاب الدموي يوم 8 شباط 1963، ولو سمح لها بمواصلة مسيرتها في تنفيذ برنامجها الإصلاحي في التنمية البشرية والاقتصادية، والسياسية والثقافية والعدالة الاجتماعية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram