على الرغم من الهجمة الدموية الشرسة التي استمرت السلطات في شنها ضد أعضاء الحركة الوطنية الثورية بعد انقلاب شباط 1963 الأسود ، فأعدم فيها المئات وزج في غياهب المعتقلات والسجون أعداد كبيرة من العراقيين ، فإن إصرار الحركة الوطنية على المضي بمسيرة النضال لم ينقطع ، فسرعان ما تمت إعادة تنظيم الحزب داخل وخارج السجون ، مما دفع الكثير من أعضاء الحركة الوطنية إلى محاولات للهروب من سجونهم ، ولعل أشهر هذه المحاولات كانت في سجن الحلة في مثل هذا اليوم من عام 1967 .
وقد كتب الكثير عن هذا الحادث المثير ، غير أني وجدت نبذة قصيرة للسيد عبد الحسين الساعدي أجمل فيها تفاصيله بقوله : كان من بين السجناء في سجن الحلة عدد كبير من الشيوعيين وقد دفعهم حبهم للحرية والتخلص من ظلمة السجون والالتحاق بصفوف المناضلين لإسقاط الحكم العسكري البغيض ، للتفكير بشكل جدي في الهروب من السجن بواسطة حفر نفق يفضي إلى الخارج، وجرت مشاورات عديدة مع قيادة الحزب ، وكانت في البدء تلاقي الرفض القاطع لعدم توفر الظرف المناسب والإمكانات الفنية ، بيد أن الموافقة على حفر النفق قد حصلت بعد توافر الظرف والإمكانات الفنية ، بيد أن الموافقة على حفر النفق قد حصلت أخيراً ، على أن تتم إحاطة الموضوع بدرجة عالية من السرية والكتمان .
في مطلع شهر أيار من سنة ألف وتسع مئة وسبع وستين شكلت لجنة من التنظيم الحزبي داخل السجن مكونة من نصيف الحاج حسين سلطان صُبّي وحسين ياسين وحافظ رسن والشاعر مظفر النواب ولطيف الحمامي ، وجرى تشخيص العناصر الحزبية التي ستتولى عملية الحفر دون غيرهم ، وقد كلف لهذه المهمة حصراً كل من حميد غني جعفر ( الملقب جدو ) وعقيل عبدالكريم حبش وكمال كمالة وفاضل عباس ، وحدد مكان الحفر الذي تمت دراسته بشكل جيد وهوعبارة عن فتحة ملغاة في مجرى مائي سابق في بناية المستشفى السابق، حيث تحولت إلى غرفة تستخدم لأغراض أخرى ، وكان السجناء يسمونها في ما بعد غرفة الصيدلية ، وجرى استخدامها كمكتب لكتابة نشرة الأخبار اليومية . تم حساب المسافة الواجب حفرها من البداية وحتى نهاية سياج السجن المحاذي لكراج لوقوف سيارات الحمل ، حيث سيبدأ العمل بحفر حفرة تقدر بمترين عمقاً ثم الانحراف أربعة عشر متراً يساراً حتى يصل النفق إلى باحة الكراج . وجر ت تهيئة مستلزمات الحفر وهي عبارة عن أدوات بسيطة لا تتجاوز الملاعق والسكاكين وأدوات حديدية صغيرة معمولة على شكل فؤوس لا تلفت النظر .
في نهاية أيار بدأ الحفارون عملهم بعد إن أحاطوه بالسرية التامة ، وكانوا يتفنون بالتخلص من تراب الحفر الذي أصبح معضلة كبيرة نظراً لكثرته ، وعادة ما كانوا يستغلون طيبة وكيل ممثل السجناء (كاظم فرهود فجر ) للحصول على بعض الحاجيات الضرورية التي كان يطلبها لهم من إدارة السجن لتوفيرها لهم .
توقف العمل بالحفر بعد منتصف شهر أيلول والذي أوشك على النهاية وذلك بسبب الانشقاق الكبير في الحزب الشيوعي العراقي ، فانقسم السجناء إلى فريقين يؤيد كل فريق منهم جهة من جهتي الانشقاق ، وكادت المهمة أن تنكشف لولا تدخل ممثلين عن الفريقين والسيطرة على الموقف حيث مثل جماعة ( اللجنة المركزية ) كل من حسين سلطان وعبدالأمير سعيد ولطيف الحمامي وجميل منير ومحمد النهر وصاحب الحميري ، فيما مثل مجموعة ( القيادة المركزية ) كل من الشاعر مظفر النواب وحسين ياسين وحافظ رسن وجاسم المطير ، ثم استؤنف العمل بالحفر بعد الاتفاق المبرم بينهما ، وتم استكماله من قبل مجموعة الحفر السابقة نفسها ، و عند الساعة السادسة مساءً في اليوم السابع من شهر تشرين الأول الذي تزامن مع الاحتفال بالذكرى الخمسين لثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى ، بدأت عملية هروب خمسة وأربعين سجيناً ألقي القبض على أربعة عشر منهم في ما بعد ، في حين مضى بقية السجناء الهاربين كلاً في اتجاهه لغرض الالتحاق بصفوف المناضلين الذين يعملون من أجل إسقاط الحكم الدكتاتوري وإقامة النظام الديمقراطي البديل . ( المعلومات عن موقع الحوار المتمدن ) .
رفعة عبد الرزاق محمد
حدث في مثل هذا اليوم: هروب من سجن الحلة 1967
نشر في: 6 نوفمبر, 2012: 08:00 م