TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > كادت الوزيرة أن تبكي

كادت الوزيرة أن تبكي

نشر في: 6 نوفمبر, 2012: 08:00 م

لم تكن الوزيرة التونسية سهام بادي تعرف لهجتنا جيدا ولا تحفظ أغنية عراقية واحدة. أبدت أسفها لأن أيام المنفى، مثلما أبعدتها عن وطنها، قد حرمتها أيضا من أن تتعرف على أغانينا. اعتبرت ذلك واحدا من نتائج النفي والانشغال بالنضال ومن توابع سوء الحظ.

طريقة كلامها، وثقتها بنفسها وشعبها وضحكتها الدائمة ذكرتني بطالبة شجاعة من أهالي منطقة الإسكندرية  كانت معنا في أيام  الدراسة الجامعية، واسمها سهام أيضا. أشيع عنها بأنها شيوعية لكن الحقيقة هي أنها كانت عالية الثقافة وجريئة. وهاتان الصفتان كانتا كافيتين جدا، عند البعثيين، لاتهام أي عراقية بأنها شيوعية.

وكما قلت في عمود سابق إن أغلبنا في الستين من عمره، لكنني عدت بنفسي للوراء عمرا وذاكرة، حتى بدت القاعة لي ناديا جامعيا والوزيرة زميلة وكبار المثقفين الذين حولي عادوا في عيني طلابا لا ينقصهم غير الزي الموحد.

تحدث الحاضرون بحضرة الوزيرة المرحة التي تضحك للهوى، بحسب وصف العراقيين. ثم صاروا يرشقونها بأسئلة نوعية عن التجربة التونسية الجديدة فانتعشت أرواحهم بأجوبة امرأة حرة تنشد الحياة والنور بدلا من الموت والظلام. وحين تحدثت عن تصميمها وعزمها على المضي من اجل أن تبقى التونسية حرة مهما كلفها موقفها من ثمن، تذكرت وزيرة المرأة الحالية بالعراق وكيف أنها لا تحضر اجتماعا لمجلس الوزراء إلا بموافقة زوجها وتقر أنها ناقصة عقل ودين.

جاء دوري كي أقول شيئا للوزيرة. حاولت الحديث عن واقع المرأة العراقية بعد 2003، فلم تسعفني حكومتنا الحالية بموقف افخر أو اعتز به أمامها. لم أجد غير أن ألوذ بالماضي  وأسألها: هل تعلمين أن أول بلد استوزر امرأة في العالم العربي كله هو العراق؟ فتحت عينيها وكذلك فعل بعض المثقفين العرب الذين لم تصلهم تلك المعلومة، وقالت: لا والله. ثم سألتني: ما اسمها وفي أي عام كان ذلك؟ أنها نزيهة الدليمي التي عينها عبد الكريم قاسم وزيرة للبلديات في العام 1959. كادت تطير وإعجابا وأخذت تثني على العراق ورقي شعبه وعمق حضارة أهله. وكادت الحسرة أن تخرج رغما عني لكني أرجعتها إلى صدري هامسا مع نفسي: آه لو تعرفين حال المرأة اليوم في عراقنا يا سيدتي!

يبدو أن أريج عطر الوزيرة، الذي ازداد صفاء ببساطتها ورقتها وتواضعها، قد طيب نفوسنا. وهل هناك ما هو أطيب للنفس من رائحة الحرية؟ ولأن السفير العراقي قيس العزاوي يعرف أن النفوس إذا طابت تتوق للغناء، طلب من زميلنا محمد الخولي أن يغنينا. وبعد أداء الخولي العذب، طالبني الحضور بأن اسمع الوزيرة شيئا من غنائنا العراقي فغنيتهم "مرينة بيكم حمد". وحين انتهيت اعتذرت لضيفتنا وللحاضرين إن كان الغناء العراقي قد زخ قلوبهم بمزنة حزن، لكنهم اعترضوا علي وقالوا إن الغناء العراقي زادهم شجنا وليس حزنا. كانت الوزيرة اشد الحاضرين تأثرا وأقسمت أنها حبست دمعها وأنني لو كنت زدت مقطعا آخر على الأغنية لبكت.

التفت صوبها السفير قيس وقال لها: اطلبي منه أن يسمعك شيئا من غزل البنات العراقي. وجيب دارمي  وودي دارمي، وإذا بالوزيرة  تقترب من حافة البكاء مرة أخرى.

وعند التوديع قالت لي: سلم لي على العراقيات. سيصل سلامك أيتها المرأة الحرة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: محاكم تفتيش نقابة المحاميين

العمود الثامن: كلمات إماراتية واطلالة عراقية

العمود الثامن: السخرية على الطريقة العراقية

العمود الثامن: محبة المسيحيين

التأثير السياسي التركي في سوريا بعد سقوط الأسد: الأهداف والاستراتيجيات

العمود الثامن: في الولاء الوطني

 علي حسين يعتقد العديد من مسؤولينا أن بلاد الرافدين التي يحكمونها الآن كانت تعيش في عصور الجاهلية، وقد قيض الله لها رجالا ليعيدوها إلى طريق الصواب، ولهذا ليس مهما توفير التنمية والازدهار والتعليم...
علي حسين

كلاكيت: المخرجون عندما يقعون في غرام الأدب

 علاء المفرجي 5 -لوليتا رواية للكاتب الأمريكي من أصل روسي فلاديمير نابوكوف، نُشرت في عام 1955 في باريس، فبطل الرواية همبرت همبرت هو أستاذ أدب في منتصف العمر مريض بشهوة المراهقين، يرتبط بعلاقة...
علاء المفرجي

النُّصيريَّة.. مِن سامراء إلى قرداحة

رشيد الخيون تُنشئ السّياسة المذاهب عند اقترانها بالدِّين، لكنْ بتعاقب الزَّمن، تنسحب وتبقى العقيدة الدّينيَّة خالصة، وبين حين وآخر يُستغل المذهب مِن قبل السَّاسة المنتمين إليه، هذا ما حصل مع النُّصيريَّة بسوريّة، فقد نشأت...
رشيد الخيون

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

محمد الربيعي* (الحلقة 11)التجربة الامريكيةفي قلب النظام التعليمي الامريكي، تكمن فكرة اللامركزية، حيث تتنحى الحكومة الفيدرالية جانبا لتفسح المجال امام الولايات والحكومات المحلية لتولي زمام الامور. هذا يعني ان كل ولاية، بل كل منطقة...
د. محمد الربيعي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram