اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > رفقاً بي صديقتي...أنا مثقلة برحيلك

رفقاً بي صديقتي...أنا مثقلة برحيلك

نشر في: 22 مارس, 2010: 04:53 م

فيحاء السامرائي يوم عاهدنا همنجوي أن لا نسمح للحياة بدحرنا لو انهزمنا وأبحرنا مع سوناتات شكسبير و حكمة ملتون وراوغنا السلطة رأيتها تجلس على السرير بسمرتها ودعتها وآمالها، جديلتها سوداء طويلة مثل ليل تمهل في إطلاق سراح غبش وردي ناعس- سهام من سدة الهندية، آداب، قسم اللغة الإنكَليزية
امتلأ أنفي واحتشدت مخيلتي ساعتها، بروائح قيمر وأرغفة ساخنة، بمياه معربدة جارية وبساتين رحبة، بصداقة آتية ذات جذور ودروب متواشجة...ومن يومها، التقى رأسانا في ضرام حاويات أفكار متقاربة، كالتقائهما عند سريرينا اللصيقين في السكن الجامعي، ومتنافرة  كتنافر أقدامنا في الاتجاه المغايرمنه، كما أي صداقة في الحياة. كانت حياتنا تموج بانعطافات ملتوية حادة و متعرجة وثّابة، المباح فيها نزير، والمحظور مبذول ممجوج، تتوكأ على عكازات أحلام مسلوبة وآمال معطوبة...كنا نقترف حياة  متلاطمة، معبأة باللاممكن وفالتة من المستحيل، أعمار نضرة تحاول دون كلل ولوج غايات داكنة، وغابات رمادية غثة كثة...تشرئب بأملها وعزمها من أغوارها، تسلك مجاهلها، ترتقي تلالها، تتعثر، يخذلها السفح، تنهض، تنظر عاليا، تعاود الصعود ثانية، تروم الى تطويق خصر الجبل والغاب، متسربلة بدفء ذلك النسغ المنفلت من الشباب واللحظة، صانعة يومها بمرموقية ويفاعة وتلقائية... لا تركن لماض، ولا تعوّل على آت، تسير، وتهرب الطرقات من تحت أقدامها.((سبحان ال جمعنة بغير ميعاد))أنفخ غبار السنين عن الذاكرة، شيء ما جمعني وسهام، ربما عين النسيج المتشابك الخيوط من حرير ذلك الزمن الصاخب المفعم بالملاحة والإجتهاد، يوم أبحرنا مع سوناتات ومسرحيات شكسبير، و حكمة وصرامة ملتون، وقفز قلبانا مع قلب وردزورث لما لمحنا قوس قزح ووردة نرجس، جرّبنا عبث بيكيت وسخرية شو، تنهدنا لرومانسية برونتي، حلّقنا مع صوت فيروز وأنغام فريد، انسكبت من عيوننا دموع لوعة موجوعة على علاقات حب خائبة، لكننا عاهدنا همنجوي أن لا نسمح للحياة بدحرنا لو تحطمنا...نسينا أنفسنا في شارع المتنبي باحثين عن المصادر، أكلنا من باب المعظم- معلاقاً- متخفّياً تحت ذباب عراقي أصيل، و كنا نجوع في نهاية الشهر لما نشتري كتباً غير المنهاج...تحملنا – رزالة- المشرفة لتأخرنا بعد أمسية التضامن مع شعب تشيلي...تحفزّنا ورغبنا بالشروع  في مظاهرة لمّا خرجنا من سينما الخيام، بعد مشاهدة فيلم زاكو وفانزيتي، أخفيت عندي ما كان يبحث عنه اتحاد طلبة السلطة، وأنجدتها من طرد مقصود من الجامعة، لأنني كنت غير (( مشبوهة )) مثلها...لما اخترت الألمانية كلغة ثانية واختارت هي الفرنسية، صارت تمزح معي  وتعيّرني عند كل فرصة...لما تمرّ قربي، ترفع يدها نحوي بجد وحديّة: - هايل هتلرأكتم غيظي، حتى أهتدي الى وسيلة تجعلها تتوقف عن محارشتها لي، أكتب أغنية - فصّالة - لحضيري أبو عزيز بالحروف الفرنسية، وأثأر منها بالضحك المتواصل لما تقرأ ( جابوها دفع للدار، لا حنّة ولا ديرم ولا صفكَة) بلكنة فرنسية بالغة الغرابة والطرافة.افترقنا على مسافة خطوات من مغيب شموس، وهطول مصائب، غمرتنا تفاصيل حياة  متناثرة داعرة... وتباعدنا....لم أدرك سهام أن صداقتك مهمة شاقة وباهرة ونادرة، حتى كتبت عنها!ايه صديقتي... يا من عيناك فجر متساقط  بحنان على بساتين السدة، وغمازتاك مسرّتان متلألئتان في عذوق نخيلها...لا تجعلي مرارة كثبان فقدك جاثمة على روحي، لا أحتمل وجع الإسترجاعات الكاوي ومشاعر الفراق الواخزة، لا أقوى على لفح هوائها الملامس لصيف بلادي، ابعدي قلمي عن موضع أحشاء الشجن وجلد اللغة المتأسية الناعية، دعيني أغني لك لا أكتب عنك، أنتسب الى مسقط قلبك، علّ رائحتك الهادئة، الصابرة، تطاردني، تسكنني وتُسكنني. ماذا تفعل مفردات لغتي حيال موتك؟ أخجل من رثائك وأنت حاضرة، مبثوثة في حياة كل الكلمات التي تأبى أن تترمل، لغتي المحنّطة أبعد من رثاء، بل أقرب الى وفاء... كم أحتاج من الكلم والزمن والوجع كي أرثيك؟ أهرب من ضفاف الفجيعة وشواطىء النحيب، الى مراسى الإستذكار ومرافىء الزنبق، هل حقاً غابت؟ هل حقاً تغيب؟  لن أحزن... ليسهو عنك النسيان، انك تظلين تؤنسينني بحضورك الغائب، رغم غصة في قلبي، ووحشة فيك ممتدة من ضفاف التيمز الى سد الهندية، أنديها بطمى الصداقة وغرْين الزهو بمعرفتك.أختم الغناء و الكلام، وأختم قلبي وتناسل الأحزان، ونبقى كما كنا معاً، نعلن اخضرارنا قبل الربيع... وتبقين أنت على قيد الزهر والإزدهار والنهار، بخالك المليح  وكركرتك الرقراقة ومشيتك اللافتة للتمعن...ايتها المحلّقة في ثرى وذرى الروح، ركبت المسافات الطويلة ولم تبلغي حلمك، لتعلمي، لم تكوني وحدك في ذلك الجمر، أحلامنا يا صديقتي ذات مسافات ماراثونية و أبعاد خيالية عنّا، بألوان مغلوطة لم تتبلور صبغتها بعد... سلام على روحك حتى مطلع المعنى من وراء الجراح، في عمر يجري بلا طائل ولا نائل، ومواسم بلا جني.ايتها الأرض كوني رقيقة على غمازتيها ورفيقة بجديلتها... لا تسدد أيها الرحيل سهام الظلام نحو سهام..

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram