بقلم / علي رياحفي آذار من عام 1963 ولد برنامج "الرياضة في أسبوع"، لتولد معه تقاليد الفن الرياضي التلفزيوني العراقي الذي سافر إلى الدنيا بأسرها في ما بعد مقدما جانبا من الإبداع العراقي في مجال صعب لم يخلف اغلب من دخله إلا الفشل.
أما مؤيد البدري "صاحب" الرياضة في أسبوع ، فقد تنقل بين ميدان رياضي وآخر على مدى ثلاثة عقود ، كان فيها من أهم عوامل نشر الثقافة الرياضية لدى جمع كبير من المشتغلين بالرياضة ، كما كان له – وهذا هو الأهم بل هو الانجاز- فضل إشاعة ثقافة رياضية مبسطة لدى العائلة العراقية التي كان أفرادها عند التاسعة من كل ثلاثاء يتخذون مقاعد لهم قبالة الشاشة ليروا شريط أسبوع كامل من الأحداث والأخبار والمتابعات والتعليقات والحوارات التي تمثل بمجملها ذاكرة أجيال عراقية مر بها البرنامج مرور " الوجبة " التلفزيونية الغنية التي تـُطرح في إطار مبسط كان يستلزم من البدري التواجد في مديرية الأخبار بالتلفزيون العراقي ابتداء من الثامنة صباحا وحتى الثالثة عصرا من أيام السبت والأحد والاثنين ويزيد السقف الزمني هذا يوم إذاعة البرنامج وهو الثلاثاء ليمتد علمه حتى السادسة عصرا يذهب بعدها الى بيته في حي السفينة بالاعظمية ثم في الوزيرية كي يعد نفسه للظهور في الوقت المحدد!كنت في سنوات عديدة من العمل في الإذاعة أرى البدري وهو ينحت في الصخر، إذ لم تكن مستلزمات العمل متاحة بما نعرفه في يومنا هذا.. كان ينتظر إطلالة الحقيبة التلفزيونية الإخبارية العامة التي يكون مهبطها محطة التاجي أو الدجيل على ما أظن، ثم تأتي الحقيبة التلفزيونية بصورة أشرطة كبيرة يصعب حملها، ثم يباشر عملية فرز ما يخصه من أخبار بمعية سلسلة من المخرجين الذين توالوا على تنفيذ البرنامج على الهواء، ومنهم كمال عاكف وخليل شوقي وحيدر العمر ومهدي الصفار وخالد المحارب وعبد الحليم الدراجي وفيصل جواد كاظم وأحمد علوان وأسماء أخرى لا تسعفني الذاكرة في إيرادها فاعتذر لها أشد الاعتذار!بدأ البدري في ربيع 1963 وتحديدا في الرابع والعشرين من آذار، وبعد أن أثقلت "الضغوط" كاهله اضطر الى التخلي عن برنامجه في ربيع عام 1993.. وقبل الحلقة الأخيرة التي أعلن فيها التوقف ، اخبرني بأنه سيلوح بيده للمشاهدين مودعا في الثلاثين من آذار ولم أكن مصدقا ولم يكن أحد قادرا على استيعاب توقف البدري الذي كان يُراد له أن "يتوقف" تلفزيونيا كي تتاح الفرصة أمام "سقط المتاع" كي يقدموا برامج بديلة انهارت بسرعة انهيارا جسّـد حكم الجمهورعليها، وكأن الناس بذلك أرادت الانتصار للنسخة الأصيلة من "برنامج البدري".. وكنا نعيش معهم هذا الإحساس بتفرد "الاستاذ" ، ونحوّر معهم بيت أبي فراس الحمداني وفقا لمقتضيات الحال فنقول: وفي الليلة الظلماء يفتقد " البدري"!كان البدري يزعل كثيرا حين كنا نطيل الإشادة ببرنامجه عبر الصحف، وكان يعبر عن ذلك بخلقه الرفيع وهو المربي والأستاذ لأغلبنا ، لكن تعبيرا واحدا أعجبه عام 1988 وهو "البرنامج الانجح" وقد كان عنوانا لمقالتي حين كان البدري يعد للاحتفال بمرور 25 سنة على ولادة البرنامج..وقد أعجب اللقب آنذاك الكاتب الكبير وأستاذ النقد التلفزيوني ناطق خلوصي فامسك باللقب وراح يفسر أسباب النجاح من ناحية " فنية " بحتة.. أتذكر ذلك جيدا ونحن نمر الآن بالذكرى السابعة والأربعين على ظهور أولى حلقات البرنامج بأي معيار يؤخذ برنامج "الرياضة في أسبوع" سواء في جيل تلفزيون "البنكلة" أو تلفزيون الحقيبة الإخبارية الثقيلة أو جيل الستلايت حين عاد البدري ليقدم البرنامج مستجيبا لضغوط هائلة لم تعرف أن الزمن غير الزمن .. بأي من هذه المعايير، يبقى "الرياضة في أسبوع" أثرا عراقيا شامخا في كل أرض الرياضة العربية..أثرا ينطق بلسان إبداعي يُذكر صاحبه الآن برغم كل محاولات تهميشه وتسقيطه من حساب ذاكرتنا الرياضية.
معذرة أبا فراس.. ففي الليلة الظلماء يفتقد " البدري"!
نشر في: 23 مارس, 2010: 05:03 م