(1-2)علي حسن الفوازلماذا فشلت الأحزاب والحركات الليبرالية العربية في ان تكون حاملة لموجهات التغيير في الواقع العربي وفي سيرورات أنظمته السياسية؟ ولماذا اقترن وجود العديد من هذه الاحزاب بنخب معزولة عن صناعة البطولة الشعبية، والتي لم تسع بشكل جدي الى تشكيل تيار واسع يمكن ان يتجذر في الواقع الاجتماعي والسياسي؟
وهل ان سبب صعود الكثير من رموز الانقلابات العسكرية ومظاهر الاستبداد ارتبط بشكل او باخر بفشل هذه الحركات والاحزاب الليبرالية في ان تصنع متونا رأيا عاما ضاغطا، ومجالات تعويضية لإنتاج مصادر عقلانية للقوة والمواجهة والتغيير؟ وهل ان ماتعرضت له بعض هذه الاحزاب من ضياع لاحلامها الليبرالية ومن تصفيات وحروب سرية وسجون ومنافي كان في جزء منه سوء تدبّر الاحزاب ذاتها مع معطيات الواقع وصراعاته وسط خلط وتنازع مفاهيمي مشوش، وسوء قراءتها وعطالة حدوسها لطبائع القوة الغاشمة للاستبداد التي انتجت لنا كوارث واسعة ضاعت فيها الاوطان والناس واحلام الليبراليات الذهبية؟هذه الاسئلة وغيرها تبدو الاكثر رعبا في ملامسة جزء مهم من تاريخ حزننا الوطني ومنظومة الاستبداد المكرسة في الواقع وفي المخيال السياسي والشعبي، والتي ستظل دائما هاجسا يقلق الكثيرين وسط البحث الدائب في اعماق التاريخ السياسي عن ليبرالية المكشوف عنه ازاء تحديات العقل العربي المتورط بتاريخ طويل من المسكوت عنه والمسكوت عليه.ثمة من يرى ان مرجعيات الخطاب الليبرالي العربي غير واضحة المعالم وغير قارّة في جسد البيئة السياسية والثقافية العربية، بسبب تاريخية التشكل الثقافي والسياسي العربيين القائمين على نمطية البنيات والمراكز المهيمنة في ابويتها وشموليتها وطبائع مرجعياتها، وثمة من يرى في الجانب الاخر ان الخطاب الليبرالي العربي يفتقد الى المقدمات الحقيقية التي تمنح هذا الخطاب حضورا وفاعلية في التبدي عبر مجموعة من المؤسسات والظواهر، وعبر العديد من القوى السياسية وتشكلاتها في(احزاب، منظمات مجتمع مدني، دساتير، حريات وانتخابات)اذ تبدو هذه الظواهر ضعيفة الى حدّ كبير، وحتى وجود بعض المظاهر ذات النزوع الليبرالي التي اقترنت بنمط الدولة العربية في بدايات القرن الماضي التي حاولت أن تقلّد الأنماط السياسية الغربية، الاّ انها كانت نخبوية وغير عميقة الاثر في البيئة السياسية العربية، وانتهت معها كل المحاولات التجريبية الهشة للديمقراطية والتعددية، فضلا عن ضعف قدرتها من خلال عدم صناعتها لرأي عام يؤمن بها ويدافع عنها، اذ ان اغلب تلك الدول سقطت فريسة الانقلابات العسكرية تحت عناوين فضفاضة للثورية والديمقراطية الشعبية، مقابل صعود نجم الحكم المركزي العسكري او الايديولوجي.من ابرز اشكاليات هشاشة الليبرالية في الحياة العربية هو بروز ضعف الدولة كمؤسسة حامية للمجتمع، وضعف المجتمع ايضا في انتاج الدولة والدفاع عنها، وكذلك الضعف الخطير للنخب الثقافية ومحدودية ادوارها في انتاج خطاب عقلاني تنويري نقدي يمكن ان يسهم في الحراك الاجتماعي والسياسي وفي توسيع معطى المؤسسات الدافعة للتنميات الثقافية والاقتصادية، اذ ان قوة الخطاب الليبرالي تفترض وجود مثل هذه المؤسسات، مثلما تفترض وجود قاعدة واسعة للقوى المؤمنة بها، والفاعلة في انتاج عوامل تكريسها وتحويلها الى مادة(دسمة)في انتاج الدولة الوطنية العادلة والقوية، ومن الأسباب الأخرى المؤثرة في تحجيم سيرورة الخطاب الليبرالي وتناميه هو السياسات(العنفية)والتصفيات المرعبة للسلطات القمعية صحبة المشروع الملفق للدولة الايديولوجية او الدولة ذات المرجعيات القومية ضد القوى التقدمية والليبرالية المناهضة لها، والتي حولت النزوع الليبرالي وتمثل خطاباته وافكاره جزءا من التابو الثقافي. وهذه العزلة والمطرودية المنهجية لايعفي وجود بعض العقد والحساسيات التي تأثرت باعراضها الاحزاب السياسية الديمقراطية عبر نخبويتها المفرطة وعبر ضعف دورها في انضاج عمليات التحول الديمقراطي للدولة، اذ ان هذه الاحزاب لم تملك للاسف رؤية واضحة لتشكيل المجتمع السياسي الذي تبدت ظواهره العامة مابعد التحولات الاجتماعية والثورية، ولعل التجربة العراقية كانت مثالا لذلك(اذ ان النخبة الثقافية قد لعبت دورا مركزيا في تقويض مشروعية الحكم الملكي، الاّ انها كانت هزيلة مفاهيميا وايديولوجيا بعد ما تمت الاطاحة بالملكية، وكانت غير قادرة على تعزيز الانتقال الى السياسة الديمقراطية، والى نظام سياسي يستقطب كل التنوعات الاثنية دون استثناء) مذكرات دولة- السياسة والتاريخ والهوية الجماعية في العراق الحديث/ت/اريك دافيس/ترجمة/حاتم عبد الهادي/المؤسسة العربية للدراسات والنشر/بيروت2008 ص154والادهى في ظاهرة ابطاء وتعطيل التحول الديمقراطي وتنمية المظاهرة الليبرالية هو اتساع وجودالامية والجهل التعليمي وبنسب كبيرة جدا بين قطاعات واسعة من الجمهور، وهو الامر الفاعل والضاغط في ابطاء الاستجابات لهذا التحول وفي تعطيل الوعي بفلسفة الحريات العامة، والدفاع عنها كحقوق اخلاقية ودستورية، وبالتالي التماهي مع مصادر سرية للحماية مثل العشيرة او المذهب او الايدولوجيا او المعسكر، تلك التي اسهمت في تهديد مفهوم الدولة الجديد، والتشويش على انتاج هو
خطاب الليبرالية العربية... إشكالية المفهوم وإشكالية الأزمة
نشر في: 23 مارس, 2010: 05:37 م