د. سمير الخليلتشكل الشفرة العصب الاساس في التفكير السيميائي ويمكن تعريفها بانها (علاقة تبادل دلالي بين عنصرين يمكن ان يحل احدهما محل الثاني)، وعلى المستوى النص فالعنصران لغويات والشفرة هي سر الكاتب الكامن في اعماق النص واسلوبه الخاص المتفرد في تعالق العلامات اللغوية ببعضها، وعلى المستوى الحياتي فمن خلال الشفرة يمكننا ان نسبر اغوار العالم الغامضة التي تعيش حولنا،
وهذا هوس انساني تكون دوافعه الخوف، وهو فطري ازاء الاشياء التي تعيش حالة الاكتشاف التي تملي عليه حالة من التأويل بفعل النظام المستمد من روعة الجمال الموضوعي، لتتحول بعد ذلك بفعل تنظيم اللغة والتقنيات الاخرى "الى اعمال فنية متماسكة ذات ابنية دلالية ووظائف جمالية وفعالية تمثيلية جديدة". فالشفرة سلوك انساني يحول الخطابات الى رموز لذلك لا بد من ان تكون الشفرة "محددة تحديداً صارماً حيث يمكن التعرف على كل عنصر من عناصرها بالعودة الى المعاجم". ان تلك الشفرات انما تتحدد بنوع من العلامات التي تعد مفاتيح للنصوص التي نود اكتشافها ومن خلال العلامة التي تمتلك القدرة على استحضار شيء آخر يحل محلها يوعز بحافز لرؤية اخرى يجعل من تتبع اثر العلامة الاخرى ممكناً وصولاً الى العلامة الاخيرة. والنصر مجموعة علامات لغوية تضيء للقاريء ظلمته. والكتاب انما يتعاملون مع هذا النوع من العلامات كتوطيد العلاقة بين المتلقي والنص، لان قوانين التواصل الاجتماعي تفرض نوعاً من التخاطب المشفر عبر علامات يتم الاهتداء بها، لكون الشفرة تمتلك خاصية ابداعية متفردة "فهي قابلة للتجدد والتغير والتحول ، حتى وان ظلت داخل سياقها"، والرسائل الموجهة او الخطابات في سيرورتها كنص تتعامد مع السياق وتتماهى معه ليساعدها على تحول توجهها، وهذا يعد من الاعمال الخطيرة لان السياق اسبق وجوداً واضخم من الرسالة ولكن تتخلص الرسالة من ابتلاع السياق لها فلا بد من وجود الشفرة التي "هي اللغة الخاصة بالسياق" وهي التي تحاول لملمة حطام النص او الرسالة لتفادي موتها، فهي اذن سر النص وحمايته من الضياع والتقليدية المشفرة، والنص الذي يفتقر للشفرة هو نص مهزوز مختزلاً غير مؤثر ان لم نقل ميتاً. فالشفرة خطاباً مكثفاً مختزلاً يتبنى نوعاً من المتاهات الفنية الجميلة، لكون المتلقي لا يحس بالمتعة الفنية او (لذة النص) كما يقول بارت إلا اذا كان النص الذي بين يديه يدعوه الى الاكتشاف وفك الغموض وسير الاغوار، وتلك حيرة لا بد من الاحساس بها من لدن المتلقي الذي لا يرضيه إلا ان يجهد نفسه "ليحس نشوة الظفر وفرحة الوصول"، تلك الشفرات الكامنة في النصوص يعرفها (رولان بارت) بوصفها "القوى التي تضع المعنى"، لاننا نبتغي من وراء العلامة قصدية اللغة والتواصل معها، والعلامات الموظفة في النص تحمل اكثر من دلالة، وقد يضع علينا تقصي واحدة منها قد تكون الاقرب ان لم نكن بمستوى من الوعي الفني المطلوب. ونحن حينما نسعى الى فك رموز الشفرات فاننا نبني نصاً موازياً للنص الحقيقي فنبدع نصاً موازيا للنص الذي نحاول سبر اغواره والتغلب على صعوبة فهمه وعلامات النص تتوزع بين الافعال والكلمات والحروف، تلك التي نستخلص منها رموزاً مشحونة بالمعاني والافكار، ومن خلال الكثير من السياقات القراءية للنص، ونحن اذ نبرز دور الاشارة اللغوية (العلامة) لكونها موحية بالدلالة في اطار التحالف اللغوي بين العلامات، وما يمكن لنا استجلاؤه من خلال البرهان يعيننا على الكشف عن دلالات واضحة لاعماق النص وشفراته. والعلامات التي تكون طيعة لنا تتوغل في خضم الفعل الدلالي وصولاً لمرحلة من مراحل الابداع في الماضي حيث نعد زمن النص وفي الحاضر ما يمليه اجتهاد المتلقي وهو يحاول اكتشاف شفرات النص بنوع من القدرة الخارقة ونحن لا يمكننا ان نكتشف علامة ما إلا من خلال معرفة قدرة فاعليتها واثرها في النص، وذلك مؤكد فهو يلجئنا الى اخضاع مجاميع من العلامات الاخرى ليتسنى الربط بين مفاصل تلك العلامات ومعرفة مستوياتها اللغوية والأدبية وما تحيل اليه من دلالات خاصة وعامة، كذلك سنعمل على الكشف عن مكامن العلامات واثارها من خلال طرح الافعال واثارها ومعرفة الاسماء وما تؤديه من دور في ذلك الكشف لعلنا نصل الى جمالية الاثر على صفحة العمل الأدبي.
شفرة النص وعلاماتها السيميائية
نشر في: 23 مارس, 2010: 05:38 م