(2-2) علي حسن الفوازان مفهوم الليبرالية في الاطار التعريفي يقترن بوجود ديمقراطية نيابية تكون السلطة السياسية فيها مقيدة بدستور الغاية منها حماية حقوق الافراد في المجتمع وتسمى ب(الحرية الدستورية) كما تعرفها الموسوعة الحرة ،حيث تجد في الديمقراطية الليبرالية تطبيقات اجراءات تستند إلى مفاهيم التسامح والتعددية والتي تسمح بتعايش وجهات النظر المختلفة وان يكون التنافس على تسلّم السلطة السياسية في اطار المجتمع ..
ان نشوء اواليات الخطاب الليبرالي كانت بالاساس تعمد الى مواجهة نشوء الدولة الطاغية ذات المركز العصابي وانماط ثقافاتها القهرية، فضلا عن ان اليات الفكر الليبرالي كانت تسعى ايضا للبحث عن فضاءات للتفكير الحر، مثلما اقترنت ايضا بالبحث عن آليات اقتصادية متحررة تسهم في حراك رأس المال وخلق ثورة جديدة في انظمة الاشتثمار الحر، فضلا عن ما اسهمت به في ترسيخ قيم حية وفاعلة للاقتصاد المتحرر من الضواغط التقليدية عبر صياغة مفاهيم متجددة وغير مقيدة للسوق والتبادل الاقتصادي، تلك التي تقوم على الاندفاعة القوية لرأس المال الاقتصادي والسياسي والذي وضعها امام شكوك متعددة تنطلق من انها ثمثل احد مكونات ماسمي في الادبيات الماركسية بالامبريالية الاقتصادية، والتي انعكست معطيات تحولها فيما بعد على الواقع الثقافي والسياسي في العالم، اذ تكرست مشاريع ونظم وجدت اشكالها في اطر صراعية معقدة لكنها اكثر حراكا ،اذ مهدت لتحولات اقتصادية وسياسية اكثر استعدادا للتغاير والانفتاح على مجمل الخطابات الثقافية المختلفة مثلما بالمقابل ايضا اسهمت في تهيئة العوامل الموضوعية للكثير من الحروب والاحتلالات والكوارث التي طالت الشعوب تحت يافطة اعادة انتاج منظومة العلاقات الدولية وربما كان من اهدافها ايضا تدمير منظومات ما تبقى من الدولة القومية ،واعادة صياغة معادلات جديدة للاقتصاد الحر، وتوفير مصادر جديدة للطاقة والمواد الاولية وفتح منافذ جديدة للاسواق العالمية، فضلا عن اعادة انتاج مفاهيم الهيمنة السياسية العالمية وفق انتاج معادلات جديدة للقوة والدولة والنظام الاقتصادي يقابل هذه التحولات نشوء دروس وفلسفات واتجاهات ثقافية استهلمت، اشكالات التحولات الخطيرة في العقل الغربي وصدماته المعرفية بدءا من اثار ماتبقى من صدمة نيشه وانعكاسها على مفهوم المواطن/ البطل، ومفهوم الدولة القومية القوية ذات المزاج الاستعلائي، وصولا الى الصدمات الحداثية المتمردة والوجودية في منتصف القرن والصدمات البنيوية وما بعدها من اتجاهات تبنت انتاج خطاب ما بعد المركز الاشكالي على ايدي فلاسفة الدرس الجامعي بارت وفوكو ودولوز وغيرهم وصولا الى التفكيكين الذين طرحوا اجندة تفكيك المركز المهيمن باتجاه الذهاب الى اقصى الحرية على ايدي دريدا وهابرماز وغادامير وغيرهم، مثلما استلهمت مفهوم الحرية كخطاب واليات في المعطى السياسي واجترحت له منظومة من الاجراءات التي ارتبطت فيما بعد بشوء ظاهرة الاحزاب الديمقراطية بمواجهة احزاب اليسار التقليدي ذي النزعات الماركسية التقليدية وطروحاتها حول مفاهيم المركزية والاقتصاد الاشتراكي وديكتانورية البروليتاريا وغيرها من توليدات الثقافات الشمولية ...ان هذه التحولات العميقة في العقل الغربي وميكانزمات انزياحاته واشتغالاته، تبدو غريبة وبعيدة عن واقعنا العربي المحتشد بثقافاته التاريخية والرومانسية وعقده الصراعية القديمة، وربما كانت البلاد العربية ذاتها هي المدار التجريبي لحركة رأس المال الغربي واشكال الاستحواذ السياسي والاستعماري والبحث عن مصادر الطاقة الرخيصة، فضلا عن استغراقات الثقافة العربية في ما سمي ب(ثقافة النهضة العربية) في القرن الثامن عشر مع محاولات لحركة التجديد ابان حكم محمد على باشا الباحث هو الاخر عن شكل معين للدولة القومية القوية.هذه التبديات تحدث تحت تأثير التماهي مع المشروع الغربي بمدياته واشكاله االمتحررة والتجديدية والتنويرية، ولعل كتاب الابريز لرفاعة الطهطهاوي دليل على حجم هذا التأثر الفاعل بمنجزات العقل الغربي، وكذلك كتابات محمد عبده والكواكبي والافغاني ولطفي السيد وجميل صدقي الزهاوي وعبد الفتاح ابراهيم وحسين الرحال ورفائيل بطي وغيرهم ممن أدركوا حيوية الثقافة الغربية وطروحاتها في الاصلاح السياسي والاقتصادي والثقافي ... ان الدولة العربية في بدايات القرن ونشوء اشكالها المبكرة مابعد انهيار الدول العثمانية ودخولها عصر الاستعمار الغربي ومن ثم عصر الاستقلال كانت اكثر استعدادا للتعاطي مع الاشكال الحيوية والطروحات الجديدة للثقافة الليبرالية خاصة في شكل ادارة الدولة السياسي، اذ نلحظ وجود اشكال واضحة للاحزاب السياسية والانتخابات والصيغ البرلمانية التي تحكم علاقات القوى السياسية ،وبقطع النظر عن طبيعة التكوين الطبقي الحاكم والمهيمن الذي يختلط فيه شكل الدولة البرجوازية/ الطبقية مع نمط التملك الا
خطاب الليبرالية العربية... إشكالية المفهوم وإشكالية الأزمة
نشر في: 24 مارس, 2010: 05:27 م