كاظم الواسطيتؤكد الدراسات التربوية الحديثة أهمية العناية بالأمومة والطفولة، كونهما مصدرين أساسيين لبناء المجتمع، وترسيخ قيمه المعنوية، حاضرا ومستقبلا، فنحن لا نستطيع أن نتخيّل شكلاً إنسانياً للجماعة البشرية تتعرّض فيهما أمٌ أو طفلٌ للانتهاك والأذى النفسي أو المادي.
ونرى تجسيد ذلك، بشكل واضح، في الاهتمام البالغ الذي توليه الدول والمؤسسات في المجتمعات الحديثة والمتطورة لهذين المصدرين المنتجين للحياة والبقاء، فهنالك الكثير من القوانين والتشريعات التي وضعت من أجل حماية الأم من الظروف المتعسفة التي تضعف وتخل بدورها في تكوين شخصيتها، ورعاية أبنائها وتأهيلهم إيجابيا لدخول عالم المواطنة الرحب، والمشاركة في البناء العام للمجتمع.وكم هنالك من اهتمامات قانونية ومؤسساتية تتبنى مشاريع خاصة برعاية الطفل سيكولوجياً ومادياً، وتوفير البيئة الملائمة لسلامة نشأته، وتقديم ما لا يُعد ويُحصى من وسائل التربية والتعليم المناسبة لتنمية وتطوير قدراته العلمية والفنية خلال المراحل الدراسية المختلفة، والشيء الذي يؤلمنا كثيراً، ويصدمنا في الصميم، هو ما نشاهده اليوم، عبر الفضائيات وفي الواقع، من مشاهد بؤسٍ بالغة التأثير تعيشها الكثير من الأمهات، والأكثر من الأطفال، في بلادنا الوافرة الموارد.ففي مناطق السكن العشوائي لمهجرين وفقراء، أحنى ظهورهم شظف العيش، والانتظار الطويل المضني على أرصفة الفاقة، تتحمل الأمهات الوزر الأكبر من صعوبة تدبير الحال، ويكفيهن ألما ً وحزنا مشهد أطفالهن الباحثين في ركام القمامة عن العلب الفارغة، وأشياء أخرى، صار لها ثمن في تجارة النفايات، قد يعينهم على شراء رغيف خبز لم يجدوه في الركام، أيّ تعسّفٍ وانتهاك يتعرّض له قلب أم ٍ حين ترى إلى طفلها حافيأ وسط النفايات، وهناك في مثل عمره من يرتدي الملابس والأحذية النظيفة متوجهاً، بحماسة الطفولة، إلى مدرسته، وكيف تنظر إلى نفسها، وهي ترقب أما أخرى تُمسك بيد طفلتها الصغيرة لتشتري لها دمية تجعلها باسمة، في وقتٍ لا تقوى فيه على سد رمق طفلتها الباكية، وأيّ جرحٍ عميق في ذات طفل لا يحمل حقيبة مدرسية، أسوة بمن يراهم على قارعة الطريق، طريق المدرسة الذي ينظر إليه من بعيد، بعيون متسائلة وقلبٍ كسير، وهو يحمل كيس العلب الفارغة على جسده الناحل الهزيل، من يزيح عن كواهل هؤلاء الأمهات جمر أعوام البؤس التي يحترقن بها كل يوم بصمتٍ يفطر الحجر؟ ومن يستبدل أكياس العلب الفارغة التي قرًحت أرواح هؤلاء الأطفال قبل ظهورهم، بحقائبٍ للكتب تمنع شرّ الأيام، وهواجس الليل المخيفة؟إن ما نسمّيه «حزام الفقر» سيضغط كثيراً على خواصرنا، وسيسبب لنا أرقا ضارا لا نقوى في ظله على العمل والبناء، إذا لم يتم استبداله بحزام أخضر ينعم الجميع بثماره الطيبة.
وقفة: جمر الفقراء
نشر في: 24 مارس, 2010: 05:47 م