فالح الحمرانيلقد اكدت التجربة العراقية وطموح العراقيين لبناء نظام ديمقراطي وتقدمهم بخطوات شجاعة وصعبة ومؤلمة نحو الهدف المنشود والموقف السلبي منها الذي اظهره مثقفون وساسة ووسائل اعلام وعامة، هناك في حقيقة الامر قطاع واسع من العرب غير مستعد للنظام الديمقراطي، وان الديمقراطية الحقة مازالت شعار النخبة المتنورة والمجربة سياسيا.
والمفارقة تلوح لنا بان ليس هناك خلاف على ان العرب بحاجة ماسة حقا للنظام الديمقراطي كوسيلة للاصلاح والتحديث العام. نظام يقوم على انتخاب اصحاب السلطة والقرار ومشاركة الاغلبية في الحكم واحترام راي الاقلية واتاحة الفرصة لها للعمل بحرية،وفصل السلطات وتعددية الاحزاب، وتشغيل ادوات مراقبة السلطة. نظام يقوم على المؤسسات ومؤسسات المجتمع المدني. ان الشعارات المطروحة والسجالات، الدائرة تؤكد ذلك.وهذا ما عبر عنه المفكر السوري واحد المنظرين للديمقراطية في العالم العربي برهان غليون بقوله ان "التحول نحو أنظمة ديمقراطية هو اليوم شعار مشترك بين جميع التنظيمات السياسية العلنية وهيئات المجتمع المدني والمثقفين على اتساع الأرض العربية.وفقد نظام الحكم الاستبدادي مرتكزاته الرئيسية حتى على المستوى السياسي، فلم يعد يتمتع بأي صدقية بعد أن أبرزت المعارضة الديمقراطية ضآلة النتائج التي تحققت على مستوى التنمية الاقتصادية والاجتماعية واستفحال الفوضى والفساد وانعدام المسؤولية لدى النخب الحاكمة". بيد ان هناك جوانب من الممارسة اليومية وردود الافعال على الاحداث في العالم العربي( لاسيما على المستوى الاجتماعي دعك عن الرسمي. الذي له حديث اخر)، تبدي هواجسها . هناك شرائح من المجتمع العربي تنظر للديمقراطية بتوجس وتردد وعدم ثقة. وتتهرب من الديمقراطية حال ان تضع اول خطوة لها على بقعة من بقاع الارض العربية. وتتراجع عن تقديم دعم لاية تجربة ديمقراطية. بل انها تبحث عن نقاط الضعف فيها لكي تنهش هذه التجربة، وتقتل الجنين قبل ان يرى النور. ولعل اخر الاحداث يتمثل بالموقف من التجربة الديمقراطية في العراق، وردود الفعل العدائية استقبلها البعض. ويشارك في الموقف طيف من المثقفين! وانصافهم ومن المظللين ايضا. من بينهم يساريين كانوا ينادون ايضا بالديمقراطية. دون التفكير بالعمل على دفع العملية الديمقراطية في العراق، مساعدتها على النمو والتطور واحياء نماذج مثيلة لها في الدول العربية .وتتناسى تلك الشرائح ان التاريخ لايُصنع بقفازات دائمة البياض وانه لايتحرك دائما في طريق مستقيم. ويلوح ان المحرك هو الخوف من التجربة السياسية في العراق، وليس من القوات الاجنبية(الذريعة التي يضعها البعض بعدم دعم التجربة العراقية) ، فانها مرابطة في اكثر من دولة عربية.حينما نطل بعيون فاحصة على الخريطة السياسية في العالم العربي لانعثر على حركة او تيار ديمقراطي صاحب قوة مؤثرة وبمقدوره جر الشارع خلفه عندما تنضج الظروف لانتخابات شرعية او لاسامح الله عند نشوب " ثورة ملونة". وهذه المفارقة قائمة في وقت غدت كلمة الديمقراطية، والدعوة الديمقراطية مصطلح شائع الاستخدام في الشارع العربي، ونادرا ما نعثر على من يعترض على اقامة انظمة ديمقراطية، بل وحتى خصوم الامس للديمقراطية امتطوها كحصان طروادة للدخول الى الحلبة السياسية والحصول على مواقع حساسة في مؤسسات السلطة. وحينما نقرا بعض وسائل الاعلام العربية ونشاهد المتبارين والخطباء من على الفضائيات وشاشات قتوات التلفزيون المحلية، سنؤمن قطعا اننا نقف على اعتاب التحول الديمقراطي، فكأن الظروف خُلقت والسُبل مهدت وثمة اجماع للامة على الخيار الديمقراطي. فما المانع اذا من الشروع باخراج الخيار لحيز الوجود؟ وما الذي يحول دون وضع الخطوة تلو الاخرى لبلوغ الهدف المنشود؟.يبدو ان اؤلئك يتعاطفون عادة مع الديمقراطية عندما تكون صنما محنطا، نظرية سياسية، ويخافونها، كقوة حية، لها تجلياتها على ارض الواقع.بعض الانظمة جازفت باشاعة الديمقراطية، ولكن سرعان ما تراجعت عنها وكمت افواه من حاول التتفس بحرية في الفسحة التي وفرتها له ( لساعات).يبدو انها أدركت انها اطلقت " الجن" المارد على التخلف والاستبداد.المفارقة ان لدى قطاع من العرب تصورا هشا ومجردا عن الديمقراطية. مثلما كان لدى غالبية اليساريين تصورا غامضا عن الاشتراكية العلمية. وهذا ليس بغريب فالشعوب تهضم الابديولوجيات القادمة من الخارج عبر شبكة وعيها التاريخي وموروثها الثقافي، وتخلق منها كائنا جديدا، غالبا ما يكون مشوها، خاصة اذا لم يتم استيعابها بوعي وارادة حرة أي اذا اخذتها دون معاناة فكرية، وكلقمة سائغة.فما ان تتجسد الديمقراطية في اشكال ملموسة وواضحة المعالم حتى يتم النظر لها في العالم العربي بشكوك وهواجس، وكانها تنين او خرتيت، زاحف من المحيطات والبحار النائية لخنق العالم العربي، ويجري الحديث عن المخاوف من وجود مؤامرة وخدعة دولية للايقاع بالعرب، وتصفية " الاصول والهوية القومية"؟! التي يتميزون بها.وتنطلق الديباجات والمقالات الرنانة والاحاديث المسهبة التي تجعل منها فزاعة. وهناك ايضا من يخلع مسحة خيالية على الديمقراطية، ويتعامل معها على انها &qu
في ضوء التجربة العراقية:الهروب العربي من الديمقراطية
نشر في: 26 مارس, 2010: 04:01 م