TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > سارتر والعرب.. ملاحظات هامشية

سارتر والعرب.. ملاحظات هامشية

نشر في: 26 مارس, 2010: 04:32 م

ادورد سعيدكان جان بول سارتر يوما اكثـر المثقفين شهرة لكنه، حتى عهد قريب، كاد يختفي تماما  من المشهد الثقافي، بدأ الهجوم عليه بعد فترة وجيزة من موته في عام 1980 عندما اتهم بالتعامل في معسكرات الاعتقال السوفيتية فيما تعرضت فلسفته الوجودية الانسانية للسخرية بما فيها من تفاؤل وارادوية وتمدد في كل الاتجاهات وشكلت حياته الفكرية كلها استفزازاً لمن يعرفون بـ "الفلاسفة الجدد"
بمنجزاتهم المتواضعة التي لم يكن فيها  ما يجذب الانتباه سوى عدائهم المحموم للشيوعية ، كما ساتفزت ما بعد البنيويين وما بعد الحداثيين، الذين تراجعوا (مع بعض الاستثناءات) الى نرجسية تقنوية عابسة استنكرت شعوبية سارتر ومواقفه السياسية البطولية، وبدا ان التنوع الكبير في اعمال سارتر، كراو  وكاتب مقالات ومسرحي ومؤلف سيروفيلسوف ومثقف سياسي وناشط ملتزم، صد عنه عددا من الناس اكبر بكثير من عدد القراء الذين جذبهم اليه، حتى تحول من المفكر الاوسع ذيوعا من بين "اساطين الفكر" الفرنسيين الى اقلهم من حيث التداول والتحليل وكل ذلك في فترة لاتتجاوز العقدين.rnوراحت طي النسيان مواقفه الش جاعة تجاه الجزائر وفيتنام ونشاطه لصالح المهاجرين، وانضمامه الى الماويين ومشاركته الجريئة في تظاهرات الطلبة في باريس عام 1968 وايضا اهتماماته الواسعة وادبه الرفيع (الذي جذب له الفوز بجائزة نوبل للاداب التي رفضها)، واصبح من المشاهير السابقين المذمومين، عدا في العالم الانغلو –اميركي، حيث لم يؤخذ بجدية كبيرة اصلاً بل نظر اليه بتعال على انه كتب روايات ومذكرات من نوع غريب، ولأنه لم يبد ما يكفي من العداء للشيوعية، وليس له تأنق وجاذبية البير كامي (الذي يقل عنه موهبة بكثير). لكن الموضة (كما هي عادة فرنسا) بدأت تتغير، او هكذا يبدو من بعد، اذ صدر عدد من الكتب عنه، وعاد مدارا للحديث (ربما انيا فقط)، لن لم يكن للدري والتأمل ، لمنه كان دوماً بالنسبة الى جيل واحد من ابطال الفكر في القرن العشرين، وضع بصيرته ومواهبه الفكرية في خدمة كل القضايا التقدمية في عصرنا تقريباً، من دون ان نشعر انه منزه او نبي، ان ما اثار الاعجاب كان سعيه الدائم الى تفهم الاوضاع ومن ثم من دون تعال او مراوغة، تقديم الدعم اذا دعت الحاجة الى القضية السياسية المعنية، وبالرغم وقوعه احيانا في الخطأ او المبالغة فقد كان دوما شخصية كبرى، ووجدت كواحد من قرائه، ان كل ما كتبه كان مثيرا للاهتمام بسبب جرأته وحريته (حتى حرية الاطالة الى حد الاملال)! وكرم روحه هكذا دوما، عدا في حال واحدة أود الحديث عنها الان، الان بعدما شجعني على الكتابة عنها مقالان مثيران ومحزنان في الوقت نفسه عن زيارته الى مصر في اوائل عام 1967 نشرتهما اخيرا صحيفة "الاهرام الاسبوعي" التي تصدر بالانكليزية (المقال الاول مراجعة لكتاب برنار هنري ليفي الاخير عن سارتر، والثاني مراجعة عن الزيارة كتبه الراحل لطفي الخولي المثقف المرموق الذي كان واحدا من مضيفي سارتر). اما تجربتي الوحيدة مع سارتر فقد كانت نقطة عابرة في حياته الزاخرة لكنها قد تستحق الذكر لما فيها من مفارقات وخيبات. بدأت القصة اوائل كانون الثاني يناير عام 1979 حين كنت في مسكني في نيويورك اعد مادة لواحد من صفوفي ودق جرس المنزل مؤذنا بقدوم برقية ، وافرحني  عندما فتحت المظروف انها كانت من باريس. النص: "مجلة لوتان مودرن" (الازمنة الحديثة) تدعوك للمشاركة في ندوة عن السلام في الشرق الاوسط في باريس في 13 و14 اذار مارس من السنة الجارية، الرجاء الاجابة: التوقيع: سيمون دو بوفوار وجان بول سارتر فكرتي الاولى كانت ان البرقية مزحة. اذا استبعدت لشخص مثلي تسلم رسالة من تلك الشخصيتين الاسطوريتين انها رسالة من كوزيما وريتشارد فاغنر لزيارة بايرويت ، او من تي .اس: اليوت وفرجينيا وولف لزيارة مكتب "ذي دايال" قضيت يومين في التأكد من الاصدقاء في باريس ونيويورك عن صحة البرقية، واجبت فور ذلك بالقبول (بعدما علمت ايضا ان "الازمنة الحديثة" المجلة الشهرية التي اسسها سارتر بعد الحرب العالمية الثانية، تتكفل بمصاريف السفر والاقامة) بعد اسابيع كنت في طريقي الى باريس. لدى الوصول الى الفندق المتواضع في الحي اللاتيني حيث حجزت وجدت في انتظاري رسالة مقتضبة غامضة لاسباب امنية ستكون الاجتماعات في شقة ميشال فوكو.. وكان هناك ايضا عنوان الشقة، في العاشرة صباح اليوم التالي وصلت الى شقة فوكو الواسعة حيث وجدت عددا من الاشخاص (لم يكن سارتر من بينهم) ينتظرون بدء الاجتماع. ولم يوضح احد ابدا طبيعة الاسباب الامنية التي املت تغيير مكان الاجتماع، وكانت سيمون دو بوفوار هنا بعمامتها الشهيرة، وسمعتها تحاضر الرائح والغادي عن رحلتها المزمعة الى ايران مع كيت ميليت حيث كانتا ستتظاهران ضد "الشادور" شعرت بأن الفكرة سخيفة ومستكبرة وبرغم تشوقي اسماعها فقد ادركت انها مغرورة تماما وغير مستعدة لأي نقاش انذاك، وهي غادرت بعد نحو ساعة (قبل وقت قصير من قدوم سارتر) ولم نرها بعد ذلك. كان هناك ايضا فوكو نفسه، الذي اوضح لي بسرعة ان ليس له أي علاقة بموضوع الندوة، وانه سيغادر فوراً، كعادته كل يوم، الى المكتبة الوطنية حيث يقوم بابحاثه وسرني ان رأيت كتابي "بدايات&quot

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram