فريدة النقاشلا يعرف أحد إن كان اتفاقا ضمنيا أم مجرد مصادفة أن يتواكب مع هذا اليوم وضع إدارة الإفتاء في وزارة الأوقاف الكويتية مجموعة من الشروط لممارسة المرأة الرياضة، منها أن يؤمن عدم إطلاع الرجال علي النساء (بافتراض أن الرجال وحوش)،
وأن يكون مكان ممارسة الرياضة محجوبا حجبا كاملا عن النظر، وأن يتم التدريب والإشراف علي أيدي نساء فقط دون مشاركة الرجال، وأن ترتدي النساء ملابس ساترة لمحل العورة ما بين الصدر والركبة، وألا يكون اللباس ضيقا يصف موضع العورة ولا شفافا تظهر منه البشرة، وأن يراعي عدم تعري النساء أمام بعضهن أثناء الاستحمام أو تبديل الثياب). ورغم أن ممارسة الرياضة هي نشاط للارتقاء بالأخلاق والسلوك الإنساني، تظهر فيه إرادة البشر نساء ورجالا وتتجلى قدرتهم، فإن قوى أصولية سلفية تأبى إلا أن تستعرض لنا كفاءتها في فرض الوصاية علي النساء، وإظهار قدرة هذه القوى على ضبطهن والتحكم في سلوكهن وحتي وهن يمارسن الرياضة التي تؤدي للارتقاء الأخلاقي. ويتأسس هذا الموقف من النساء والذي يريد أن يحجبهن قدر الإمكان، على الخوف التاريخي من جسد المرأة، ومن القدرات التي يتوفر هذا الجسد عليها، من حيث الخصوبة والقدرة علي الحمل والولادة والطاقة الجنسية الكبيرة فيه، وهو خوف يغوص عميقا في ضمير البشرية، وقد انحدر إلينا من زمن الأساطير والخرافات، وهو الخوف الذي كان سببا كما يقول الباحثون في ولادة الأساطير التي تربط بين التغيرات التي تحدث لهذا الجسد وبين الموت من جهة والازدهار والنماء من جهة أخرى، تعبيرا عن المفارقة والتناقض في رؤية الإنسان للعالم ومن ضمنها رؤيته للعلاقات بين النساء والرجال. وتجلت النظرة لجسد المرأة في الثقافة الحديثة التي نهلت من هذا التراث المتراكم من ثلاث صور. أولها صورة الجسد المدنس باب الشيطان والغواية والفتنة، وهو الجسد المميت في بعض الحكايات والذي يفضي التعامل معه إلي الخراب، ومن هذا التراث القديم نشأت فكرة عدم لمس المرأة خوفا من دمها الشهري المدنس والمفضي إلي الموت. أما الصورة الثانية للجسد فهي النقيض، لأنه عنوان الطهر والنقاء والعفة، وهو رمز الأمومة والعطاء. وعرفت بعض من الثقافات تقديس الأم، وفي ثقافتنا الشعبية يرتبط تبجيل الأم بمدى تخلص جسدها من قدرته الجنسية، أي عندما تكبر في السن ويزول ما كان يجعل هذا الجسد مدنسا وعورة في الصورة الأولى. أما الصورة الثالثة والتي هي وليدة النظام الرأسمالي خاصة في جانبه التجاري الاستهلاكي الذي يتطلع ويعمل على ترويج السلع بأي ثمن من أجل الربح ثم الربح الذي هو إله هذا النظام، فإن جسد المرأة يصبح سلعة من ضمن السلع، فإما أن يجري استخدامه لترويج السلع الأخرى عبر الإعلانات، أو تحويله هو نفسه إلي سلعة في شبكات البغاء التي تتاجر بأجساد النساء، وهي تجارة مربحة جدا علي الصعيد العالمي تعيد إلي الأذهان أزمة العبودية البغيضة، لأن النساء حين يقعن في حبالها يصبح من الصعب جدا عليهن الانفلات من أسر قيودها وتجري تدميرهن ماديا ومعنويا. وتظل هذه الصور الثلاث المتناقضة تتفاعل وتتصارع في كل المجتمعات طبقا لمستوي تطورها واحترامها للعلم، وقدرة الحركات النسائية والديمقراطية عامة علي مخاطبة المجتمع وممارسة النفوذ فيه، لتعزز في آخر المطاف صورة المرأة (الإنسان - المواطن) بهذه الدرجة أو تلك، متحررة من الأساطير والخرافات، ويصبح إسهامها في الحياة العامة ومشاركتها في كل الأعمال والنشاطات ومن ضمنها الرياضة، عملا من طبيعة الأشياء، ولا يثير الجدل إلا في تلك الأوساط التي تعتبر الوصاية علي النساء وإخضاعهن أمرا إلهيا، يقتضي طبقا لتصوراتهم وضع النساء في مكانة أدنى، والتسلط عليهن وقهرهن، وذلك ضمن الإطار الأعم للقهر الطبقي في مجتمعات منقسمة حيث الأقلية التي تستحوذ علي الثروة والسلطة والأغلبية التي تكافح من أجل حقها في الحياة الآمنة والكرامة، ولا يتخذ القمع شكل الاستغلال المادي فحسب وإنما هناك أيضا القمع المعنوي والثقافي عبر إعلام جبار وهو قمع تجري ممارسته ضد النساء بإعلاء هذه الصورة أو تلك لأجسادهن حسب احتياجات النظام الرأسمالي السائد.
الوصاية علىالنساء
نشر في: 27 مارس, 2010: 04:32 م