TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > قناديل :كتابة السيرة بين شرقيتنا وغربيتهم

قناديل :كتابة السيرة بين شرقيتنا وغربيتهم

نشر في: 27 مارس, 2010: 05:17 م

لطفية الدليميسألني صحفي عربي في حوار عن السيرة : لماذا يندر لدينا أدب السيرة مع أن القراء يتلقفون كتب السيرة والمذكرات وتنفد قبل سواها من أنماط الكتابة الأدبية؟ ولماذا تبدو كتابة السيرة أمرا محرجا وشبه محرم في ثقافتنا؟يخيّل إليّ أننا أبناء المشارق، وأبناء القارة الآسيوية بشكل عام، نحيا في فضاء طبيعي تغمره فيوض الضوء على امتداد الفصول،
 وإن الشمس في الشرق تعري  كل ما يحيط بنا وتضعه تحت طائلة النظر،  وكل  ما حولنا  من تفاصيل الحياة اليومية معروض ببساطة ودون حذلقة من أحد، بمعنى أن حصتنا من الضوء أكثر مما يجب لحياة إنسانية تتوق الى شيء من السرية والخفاء الجميل، وإننا معرضون لانتهاك الضوء الدائم لنا وبالتالي لفضول جميع من يجاورنا ، لذا يعمد الشرقيون الآسيويون من معتنقي ديانة الزن  والبوذية بشكل عام وكذا الهندوسية  وفي الثقافتين العربية والإسلامية، إلى التوجه نحو الأعماق الجوّانية التي يعدونها مكامن لكنوز الأسرار، ويرون أن  عليهم حمايتها من  فضول البشر ليوازنوا بين المعلن المباح والمكنون المصون، ويحوزوا عناصر تخصهم وحدهم ولا يحق لسواهم اقتحام مظانّها، ومن جانب آخر تغلب على الثقافات المشرقية والإسلامية النزعات الجوّانية -من صوفية أو غنوصية- وتنطوي النزعتان الصوفية والغنوصية بتعدد طرائقهما على مواقف معارضة للسائد من نظم الحكم والسياسة أو الفهم السطحي للنص المقدس، لذا عمدا  إلى  كتمان فكرتهم  باعتبارها سرّا خشية التأويل المضاد فتجدهم يحيطونها بقدر كبير من الغموض وهو سمة الأنساق العرفانية، وتعمد الفرق السرية- بخاصة الشرقية المناقضة للديونيزيوسية وتلك الدينية التي تجتهد لفهم الدين عبر تفسيرات عقلية،تعمد الى سلوك طريق التقيّة وصون الفكرة والسر مخافة بطش الحكام وذوي الفكر المناهض لها، ما يؤثر في التكوين النفسي والروحي للفنانين في هذه الأوساط المنغلقة على أسرارها.. فإذا علمنا ان الفن يرتبط ارتباطا عضويا بالتصوف ويتسم بالغموض ذاته، ويتقارب معه في طرائق التعبير، أدركنا أهمية النزعة الجوّانية والانطواء على الأسرار وعدم البوح بها للعموم.. وفي ظني ان هذه المؤثرات المركبة لها فعلها في أداء الفنان الكاتب الذي يحتفظ بحصيلة ثرّة من الأسرار الشخصية المصونة من فضول الآخرين..أما الثقافات الغربية، ولا أقول الثقافة -لان ثمة العديد من الثقافات في الغرب-  فان موضوعة الاعتراف الذي يعد احد اهم  طقوس الإيمان -  الكاثوليكي تنحت في عمق الشخصية الإنسانية هناك  وتشكلها وتدعوها دائماً لتفريغ ما يتراكم في أعماقها من مشاعر وانفعالات وخطايا  وأفعال تستدعي الغفران والتطهر لنيل الراحة والقبول في المجموعة البشرية  المتفقة  على المواصفات العامة للسلوك البشري السوي.. وتنبني الشخصية الإبداعية في مثل هذه الأوساط  على  ضرورة البوح والانفتاح وكشف مكنونات النفس لتفريغ الشحنات السلبية من المشاعر والأفعال التي تثقل  كاهل  المرء، فيدعها الإنسان بين يدي الكاهن في الأداء الديني-او يتيحها للعامة في السياق  الإبداعي فالكاتب هناك لا يضيره قط أن يحكم عليه  بخرق التقاليد أو الخروج عن الأنساق المقننة للحياة المجتمعية في عصر ما، ومن جهة أخرى، يختلف الإنسان  الشرقي عن الغربي في كونه معنيا بقبول المجتمع له وهو مجتمع  تتحكم فيه العشائرية  وكثير من الرؤية السلفية للإنسان وتفاصيل حياته اليومية مثلما تؤثر فيه المواقف المحافظة لمن يتعامل معهم او يعيش بين منظوماتهم ، كشرط لدوام الأمان وسط الجماعة التي ينتمي إليها، بينما يعنى الغربي بفرديته ونزوعه لخرق  التقاليد الراكدة، فيقدم على البوح والكشف ويعلن   أسراره وخفايا ذاته الحرة التي لا تدين بالولاء   للجماعة ولا يهمها القبول او الرفض، مايهمها في المقام الأول ان المبدع يتجه الى فضاء الآخر ويقتحمه ويقدم له وجبة شهية من الاعترافات والأسرار والأفعال التي تقع في عداد الفضائح، ليس بدافع التطهر وطلب المغفرة، إنما بقصد التعبير الحر عن النفس وخفاياها عن طريق الفن الذي انفرطت علاقته بالتصوف عندما تحول إلى  أسلوب  لقول السر وإباحته للعموم ، وتبقى موضوعة أدب السيرة -برأيي- مرهونة بهذه المؤثرات التي تلقي بظلالها على الشخصية الإبداعية في الشرق الجوّاني المفعم بالأسرار، والغرب المنفتح القائم على الاعتراف، لقد كتب بعض الأدباء  العرب بعضا من سيرهم ومذكراتهم  لكنها  جاءت انتقائية وخاضعة للتنقيح والتجميل المفرط بسبب من خشية الأحكام القيمية على حيواتهم ..

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram