مطربان ريفيان ذاع صيتهما خارج العراق مبكرا على الرغم من أن أغاني الريف تكون محدودة الانتشار لصعوبة اللهجة من جهة، ولكون ألحانها بسيطة وخاصة بها من جهة أخرى.. والمطربان هما حضيري أبو عزيز وداخل حسن من محافظة الناصرية.
وتتألف أغاني الريف العراقي من 36 طورا غنائيا كان لحضيري أبو عزيز الحصة الأكبر في تأليفها ابتداء من أواخر العشرينيات. وحضيري بن حسن بن رهيف بن غاني المشهور في العراق والخليج والشام بـ «أبو عزيز» من عشيرة الصبورة الموجودة في مدينة الشطرة وضواحيها في محافظة الناصرية، وهو من مواليد 1904، قتل والده بسبب تصديه لإحدى سفن المستعمرين العثمانيين التي كانت تسير في نهر الفرات فتبنته عمته ورعته خير رعاية، وتأثر كثيراً بنعيها أخاها (والده) على الطريقة الريفية، فراح حضيري يطلق العنان لصوته الجميل، وهو يجوب ريف الشطرة ما زاد من قوة صوته وأثر في حلاوته وجماله.. وعرف أهل الشطرة كلهم بجمال صوت هذا الفتى بعد أن كان يغني وهو يسرح بالماشية، او عندما يختلي بنفسه على حافة النهر وهو يردد الاغاني المعروفة ويضيف اليها نكهة صوته.. ما دعا الكثير من الفلاحين الى إطلاق لقب (بلبل الريف) على حضيري.. وبعد بروز صيته في الشطرة وانتقال ذلك الى الناصرية جاء خاله (حسين محمد) الخياط لأخذه الى هناك وكان عمره (16عاماً) أي في عام 1920، وهناك أخذ يعمل معه في الخياطة ويمارس نشاطه الغنائي في المحل ما جعل الناس تتجمع أمام المحل لسماع صوته الجميل، فازدادت شعبيته وعرف على صعيد المحافظة كلها. وحين نشأت شركات تسجيل الأسطوانات في عام 1877 راحت تبحث في الوطن العربي عن الأصوات الجميلة والمؤثرة لتقدمها في أسطوانات يسمعها الناس وتستمتع بها.. فكانت البداية في العراق مع مطربي المقام العراقي.. فسجلت لأحمد زيدان وملا عثمان الموصلي ومحمود الخياط.. وبعد بروز صوت حضيري سجلت له شركة بيضافون الألمانية 10 أسطوانات كل واحدة فيها (أبو ذية وبستة)، ثم جاء دور شركة سودا الوطنية التي مقرها حلب، وهناك تعرّف حضيري على أبرز نجوم الطرب العرب مثل محمد عبدالوهاب ووديع الصافي.. وقد كانت أهم تجربة في حياته، إذ من خلالها عرفه الناس في أرجاء الوطن العربي.. ومن خلال هذه الشركة قدم حضيري مع داخل حسن أغنيات الثنائي. بعد تطوعه في الناصرية بصفة شرطي وانتشار اسمه كمطرب ريفي مرموق تم نقله الى دار الإذاعة العراقية بعد تأسيسها بقليل، ليكون أول مطرب ريفي يغني فيها، وقد تحقق الامر بمساعدة ابن ولايته الشاعر ووزير المعارف آنذاك محمد رضا الشبيبي الذي يعد صاحب الفضل الأول في ذيوع وتطور الغناء الريفي في العراق. وعلى غرار الأفلام المصرية التي ضمت مجموعة من المطربين قامت شركة الرشيد بإنتاج فيلم عراقي مصري مشترك يجمع مابين الغناء والتمثيل، وكان ذلك في العام 1946 اسمه (ابن الشرق)، سيناريو وإخراج إبراهيم حلمي، وبطولة شاب عراقي يدرس في مصر هو عادل عبدالوهاب، وشاركت معه مديحة يسري وبشارة واكيم الى جانب الفنانة المطربة والممثلة نورهان والمطرب حضيري أبو عزيز الذي غنى في الفيلم أغنيته المشهورة (عمي يا بياع الورد).. ولم يشارك حضيري في فيلم آخر غير هذا.. ويعد حضيري من أهم مطربي الأغنية الريفية لما يتمتع به من ميزات قلما تجدها لدى غيره، حيث كان يشكل مدرسة غنائية متكاملة ويجيد الأطوار الغنائية كافة الى جانب إضافته لها.. ويتمتع بصوت جميل أخاذ إضافة إلى إجادته جميع الأنغام الموسيقية والتلوين الادائي.. من أبرز الاطوار التي كان يجيدها طور «الحياوي» الذي يقرأ بستّة ألوان في حين يقرؤه حضيري بلون سابع أضافه إليه. واصبح يسمى (طور حضيري-حياوي) وسجله في الاذاعة العراقية وطور «الشطراوي» الذي يقرأ بلونين قديم وجديد في حين يقرؤه حضيري بطريقة جميلة وجديدة، ما زاد من حلاوته وجماليته وقام بتسجيله لشركة جقماقجي. وطور «الغافلي» الذي ابتكر له حضيري أبو عزيز لوناً خاصاً خلصته من شوائب الحزن وسجله لشركة بيضافون. وطور «المجراوي» الذي غناه حضيري بطريقة تختلف عن الطريقتين المعروفتين، ما يعد إضافة نوعية للغناء الريفي، وسجله لشركة بيضافون.. وكذلك قرأ وطور بقية الاطوار مثل العنيبي والشجي والعياش والمنصوري والشطيت واللامي الذي أدخل عليه نغم الدشت فزاده حلاوة رغم تأثره بطريقة القبانجي. رحل الفنان حضيري أبو عزيز في 25/1/1972 تاركاً وراءه مكتبة ثرية من الأغاني الريفية الجميلة التي تشكل زاداً كبيراً للإذاعات العراقية والعربية ولمحبي فن الغناء الريفي.. وقد أقيم له حفل تأبيني ضخم تقدمه الفنان الكبير محمد القبانجي الذي ألقى كلمة بليغة بحق الفنان حضيري، كما رثاه العديد من الشعراء.
حضيري أبو عزيز .. بلبل الريف العراقي
نشر في: 28 مارس, 2010: 04:23 م