TOP

جريدة المدى > ملحق ذاكرة عراقية > جسور بغداد قديماً وحديثاً

جسور بغداد قديماً وحديثاً

نشر في: 28 مارس, 2010: 04:29 م

صفاء الحيدري الحديث كثير في التاريخ عن مدى الرقي العمراني والتوسع الحضاري اللذين بلغتهما بغداد ايام العباسيين. اما قبل ذلك فان المظنون ان مدينة بغداد كانت مجرد قرية من القرى القديمة، احدثت قبل الاسلام، تقع حيث تقع الصالحية الان، وتحيط بها البساتين والمزارع التي كانت تستقي من ماء الفرات، وقد تطاحنت عليها مختلف الاجناس وانصهرت فيها مختلف التيارات –دينية وفكرية وعقائدية  وحضارية – فجعلت لها شأناً واي شأن في تاريخ العالم.
وبقدر ما تسرف هذه المصادر في التحدث عن قيمة بغداد التاريخية، تشح في ذكر التفاصيل التي نحن بصددها الان، ونقصد الوسائل التي كان يتم بوساطتها اتصال الناس عبر نهر دجلة. فالمعروف بصورة قاطعة ان مدينة بغداد في كل مراحلها التاريخية كانت تمتد شرقي دجلة وغربيها. وان معظم الحكام الساسانيين و المماليك السلجوقيين كانوا يبنون قصورهم على ضفتيها وان المزارع والبساتين والقرى كانت تمتد الى ما وراء هذه القصور مسافات شاسعة، وان الناس  بين الضفتين كانوا يتزاورون لاسباب شخصية او معيشية ، فكيف كان يتم هذا الاتصال؟ ابوساطة القوارب والطوافات والعوامات، ام بوساطة اخرى، كالجسور مثلاً؟ مما لاريب فيه، ان الزوارق والعوامات وغيرها وسائط لا غنى عنها للناسن ولكنها ليست ذات مفعول كالجسور ، وقد ذكرت المصادر ان اول جسر عقد ببغداد قبل العباسيين كان جسراً ساسانياً انشئت قاعدته امام دار الحاكم الساساني نيسابور (وهي الدار التي عرفت ايام العباسيين بالقصر العباسي وتقع مكان المدرسة الثانوية بالكرخ الان) وقد كان اول قائد عربي عبر عليه ودمر الفرس هو "النسين بن ديسم" احد قادة خالد بن الوليد عام 12هـ 633 م وقد استفاد العباسيون من كرسي هذا الجسر الشرقية والغربية فقعدوا عليه عام 383 هـ (693) م جسراً هو الذي نزل عنده فيما يعد الرحالة الشهير ابن جبير عام 580هـ (1184) م وتعددت الروايات بعد ذلك عن جسور بغداد، فمن قائل ان عددها ثلاثة، ومن قائل انها خمسة ومن ذاكر ان من هذه الجسور ما كان للرجال، ومنها مما كان خصيصاً للحريم وهذا شيء جديد في التاريخ اذ لم يسبق ان عقدت جسور خاصة بالنساء في الدولة العباسية ، وقد جاء في كتاب "مناقب بغداد" لابن الفرج الجوزي المتوفى عام 597هـ ان اول من عقد الجسور ببغداد كان المنصور، فانه لما بنى قصره الخلد في عام 59هـ عقد الجسر عند باب الشعير وروى انه عقد ثلاثة جسور احدها للنساء ثم عقد لنفسه وحشمه جسرين بباب البستان وعقد الرشيد بعده عند باب الشماسية جسرين اخرين فلما قتل الامين عطلا وبقي منها ثلاثة ، ثم عطل واحد آخر. وروى انا ابا علي بن شاذان قال- انه ادرك ببغداد وفيها ثلاثة جسور الاول يحاذي سوق الثلاثاء والثاني بباب الطابق والثالث عند الدار العزبة، وقيل ان الذي كان عند الدار العزبة نقل الى باب الطاق، فصار هناك جسران يمضي الناس على احدهما ويرجعون على الاخر. ثم لم يبق غير جسر واحد عقد عند مشرعيه الروايا من الجانب الغربي ولم يكن في زمان الخليفة المسترشد ومن بعده من الخلفاء غير جسر واحد كان عند نهر عيسى ثم نقل الى باب القرية ثم عملت المرأة الملقبة "بنفشة" جسرا جديدا جعلته مكان هذا الجسر العتيق ورد ذلك الى مكانه من نهر عيسى وذلك في زمن الخليفة المستضيء بامر الله، فصار للناس جسران، والذي يتضح من هذه السطور ان بناء الجسور لم يقتصر على الخلفاء. وانما تعداه الى الاشخاص بل النساء ولكن ما جاء في المنتظم لابن الجوزي (570) هـ يفسر ان بناء بنفشة للجسر كان نتيجة امر من المستضيء بامر الله ومما رواه معظم المؤرخين ان بغداد فيها دائماً جسران على الاقل وان بلغ عدد هذه الجسور في عصر الخليفة هارون الرشيد الذهبي الى خمسة. وان هذه الجسور كانت توضع دائماً تحت امرة موكلين كالجسر الذي عمله عضد الدولة ونصب السيد محمد بن الحسن الاسعد السامرائي متولياً عليه، وان منها ما كان له ايضا صاحب كأسحاق بن ابراهيم صاحب الجسر في شارع الحدادين  وان قسماً من هذه الجسور تعرض للحرق، كما حدث عام 308 هـ حيث شجع غلاء المعيشة على خروج الناس وحرق مجالس الشرط والجسور وان منها ما حمله التيار بكليته وقذفه بعيداً هو ومن عليه كما حدث عام 430 هـ حيث ارتفع دجلة 16 ذراعاً بين يوم وليلة وقذف بالجسر ومن كان عليه. وقد جاء في صبح الاعشى للقلقشندي ان بين الجانبين على دجلة جسرين منصوبين شرقا بغرب على سفن وزوارق اوقفت في الماء ومدت بينها السلاسل الحديد المكعبة الثقال وفوقها الخشب الممدود وعليها التراب وتقوم على ضفتي دجلة قصور الخلافة، فلا عجب اذن في  ان يحمل التيار هذا الجسر ومن عليه كما حدث عام 316 هـ اذ زادت دجلة زيادة مفرطة قطعت الجسور ببغداد وغرق من الجسارين جماعة ، فقد كانت جسورا لا تتحمل قوة التيار الا الى حد معين. ويقول الرواة ان الجسور كانت مواضع للنزهة بالاضافة الى كونها وسائل للعبور فقد كانت الناس تجتمع لديها بعد العصر من كل يوم وفي الايام المقمرة ليلا على الاخص على اعتبارها متنزهات وقد جاء في رحلة ابن بطوطة انه كان ببغداد جسران اثنان معقودان والناس يعبرونها ليلا ونهارا رجالا مع نساء فهم من ذلك في نزهة متصلة، وقد كان ابن بطوطة قد زار بغداد عام 727 هـ (1326)م ثم عاد اليها سنة 748 هـ (1347)م. اما جسور بغداد اثناء العهد العثماني فكانت جسرا في الاعظم

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

د. عبدالخالق حسين لو لم يتم اغتيال ثورة 14 تموز في الانقلاب الدموي يوم 8 شباط 1963، ولو سمح لها بمواصلة مسيرتها في تنفيذ برنامجها الإصلاحي في التنمية البشرية والاقتصادية، والسياسية والثقافية والعدالة الاجتماعية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram