TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قرار مروّع لمحكمة كردستانية

قرار مروّع لمحكمة كردستانية

نشر في: 6 نوفمبر, 2012: 08:00 م

إذا صحّ الخبر فأن محكمة جمجمال (السليمانية) تُقدم أنموذجاً سيئاً بل مروعاً للقضاء، والإدارة عموماً، في إقليم كردستان الذي لا يماثله إلا بعض النماذج في مناطقنا العربية. وهذه طامة كبرى لأننا لم نزل نعوّل على الإقليم ليقدم الأمثولة التي نريد لها أن تُقتدى في قسمنا العربي المبتلى بألف محنة ومحنة وأولها وأكبرها محنته مع طبقته السياسية التي لا تتحلى حتى بأدنى الشعور بالمسؤولية تجاه الشعب والوطن كما يتبين من الأزمة السياسية القائمة منذ تشكيل الحكومة الحالية قبل نحو سنتين حتى الآن.
الخبر الذي جاءنا أمس يقول إن محكمة جمجمال أصدرت أمس الأول (الاثنين) أمراً باعتقال كاتب صحفي بعدما نشر مقالاً انتقد فيه أداء المحاكم. المريع إن المقال نشر قبل يوم واحد فقط من إصدار الأمر بالاعتقال، وهو كان بعنوان "لماذا أداء المحاكم ضعيف؟" ونشر في صحيفة "جرمو" الصادرة بالكردية.
وبحسب ما نُشر أمس على لسان الصحفي فان الأمر بالاعتقال صدر عن مساعد القاضي العام في جمجمال بروين محمد صالح، وان الشرطة تفتش عن الصحفي المطلوب. وهذه المعلومة أكدها مساعد القاضي العام نفسه بقوله إن المحكمة أصدرت أمراً باعتقال كاتب المقال بحسب المادة (431) من القانون الجنائي العراقي بعدما انتقد بأسلوب التشهير أداء المحكمة.
أي محكمة هذه التي لا تصبر على متهمها أكثر من أربع وعشرين ساعة؟ وأي قضاء هذا الذي تأمر محاكمه مباشرة وبهذه السرعة الفلكية باعتقال صحفي انتقد أداء إحدى محاكمه؟ بل أي قضاء هذا الذي لا يتحمل النقد إلى درجة انه يذهب مباشرة إلى الأمر بالاعتقال؟ (طبعاً مع قضاء من نمط قضاء صدام حسين أو معمر القذافي او بشار الأسد لا نستغرب إجراءً كهذا ولكن ما بال قضائنا "الديمقراطي" يمشي في أثر قضاء عتاة الدكتاتوريين؟).
ليس مقبولاً أن يعتقل القضاء أو أي جهة أخرى في الدولة الصحفي بسبب موضوع نشره. حتى لو كان هذا الموضوع ينطوي على تشهير، وهو أمر مخالف لشروط المهنة الصحفية وقواعدها وأخلاقياتها بطبيعة الحال، فان التصرف الصحيح أن يُحال الصحفي إلى محكمة النشر لمساءلته وأن يُمكن هذا الصحفي من توكيل محام للدفاع عنه، ولا يصدر أي قرار تعسفي في حق الصحفي قبل أن تستكمل المحاكمة أركانها وإجراءاتها القانونية بما فيها الطعن في حكم المحكمة.
في النظام الديمقراطي لا يُعتقل الصحفي بسبب جريمة نشر وإنما تُوقع عليه غرامة معنوية تتمثل في الاعتذار إلى الجهة التي أساء إليها أو تجنّى عليها من دون وجه حق، وغرامة مادية تتمثل في مبلغ معين يتناسب مع طبيعة جريمة النشر المرتكبة. دستورنا يقول إننا دولة ديمقراطية، وهذا ما يتعين أن يعرفه قضاة محكمة جمجمال وسائر القضاة في البلاد.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 3

  1. المدقق

    بشرفك هذا القرار لو متخذتة محكمة في بغداد جان مو كلبتو الدنيا ؟؟؟؟؟بس منكول غير حسبنا الله ونعم الوكيل

  2. سیروان سعید /لندن

    احسنت یا استاذ ، مع الاسف یوما بعد یوما نتراجع و الوضع یکون اسوء.

  3. هادي فوزي

    أستاذ عدنان ... كل ماقلته صحيح ... ولكن ... أي دستور تقصد .. دستور العراق الذي لا اعتبار له في أقليم كردستان .. أم دستور أقليم كردستان التي تعتبرها ( قلعة الحرية ) ... وماذا عن قتل الصحفي الكردي عثمان سرهدشت ؟؟؟ وماهي نتائج التحقيق في جريمة قتله ..؟؟؟

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، وبيانات الانسداد، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة...
علي حسين

قناطر: شجاعةُ الحسين أم حكمةُ الحسن ؟

طالب عبد العزيز اختفى أنموذجُ الامام الحسن بن علي في السردية الاسلامية المعتدلة طويلاً، وقلّما أُسْتحضرَ أنموذجه المسالم؛ في الخطب الدينية، والمجالس الحسينية، بخاصة، ذات الطبيعة الثورية، ولم تدرس بنودُ الاتفاقية(صُلح الحسن) التي عقدها...
طالب عبد العزيز

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

أحمد حسن المدرسة الحكومية في أي مجتمع تعد أحد أعمدة تكوين المواطنة وإثبات وجود الدولة نفسها، وتتجاوز في أهميتها الجيش ، لأنها الحاضنة التي يتكون فيها الفرد خارج روابط الدم، ويتعلم الانتماء إلى جماعة...
أحمد حسن

فيلسوف يُشَخِّص مصدر الخلل

ابراهيم البليهي نبَّه الفيلسوف البريطاني الشهير إدموند بيرك إلى أنه من السهل ضياع الحقيقة وسيطرة الفكرة المغلوطة بعاملين: العامل الأول إثارة الخوف لجعل الكل يستجيبون للجهالة فرارًا مما جرى التخويف منه واندفاعا في اتجاه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram