TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > انقسام البيت

انقسام البيت

نشر في: 6 نوفمبر, 2012: 08:00 م

 

لم تحل انتخابات 2010 مشكلة تقاسم السلطة. وبعد ثمانية اشهر منها استطاعت اتفاقية اربيل تشكيل الحكومة لكنها عجزت عن حل مشكلة تقاسم السلطة. واليوم يطرح "التحالف الوطني"، باستثناء التيار الصدري، فكرة حكومة الأغلبية لحل نفس المشكلة.
وكما هو متوقع فانها لم تلاق صدى طيبا لدى "التحالف الكردستاني" ولا لدى ائتلاف "العراقية". وأغلب الظن أنها تبدو بالنسبة اليهما فكرة "كسر عظم" اكثر منها فكرة حل. وهي أشبه بـ "هجوم معاكس" يشنه زعيم "دولة القانون" على "الكردستاني" و"العراقية" و"التيار الصدري" بعد فشلهم في مشروع سحب الثقة عن رئاسته لمجلس الوزراء. وبين "السحب" و"الأغلبية" سادت فكرة الحوار أو الاجتماع الوطني لعدة شهور، ثم تراجعت، وجاء طرح "حكومة الأغلبية" تعبيرا عن فشلها.
وهكذا تبدو الخيارات الأربعة لحل الأزمة مستعصية: سحب الثقة يفتقد النصاب اللازم من الأصوات في البرلمان، "حكومة الشراكة" متعذرة، الحوار أو الاجتماع الوطني لم ينعقد ولم يكتسب الاعداد له أصلا طابع الجدية، حكومة الأغلبية متعثرة، وهي، شأن سحب الثقة، لن تستطيع جمع الأصوات اللازمة لتشكيلها.
أزمة السلطة اذن مستمرة. والأزمة تعني "مرحلة هامة بشكل حيوي في تقدم ما، أو منعطف، أو حالة من الأحداث يتوقع حصول تغييرات مصيرية فيها للأفضل أو الأسوأ"،حسب قاموس اكسفورد. ولكن لما كانت "الخيارات الأربعة" المطروحة تبدو متعذرة، ولم يُقترح غيرها، فقد دخلت الأزمة العراقية طور الانسداد، وصارت تعني مرحلة استعصاء سياسي، تقودها قوى عاجزة عن ابتكار الحلول، وتهدد بشل البلد، أي جموده على الوضع الحالي، أو نكوصه الى تغييرات أسوأ، قد تصل الى حدود الانقسام أو الحرب الأهلية.
وبذلك أصبح أفق الأزمة مقصورا على الوجه السلبي دون الإيجابي: أي التغييرات الى الأسوأ دون الأفضل. وأول ما يبدو ممكنا بينها هو اعلان انفصال أو استقلال كردستان. وثاني الممكنات قد يتمثل بتكوين الاقليم السني. وهي خطوة قد يكون لها ما بعدها. وأغلب الظن ان مثل هذه التغييرات المحتملة ستكون مصحوبة بهذا القدر أو ذاك من العنف.
ان البيت العراقي منقسم بين شيعة وسنة وكرد. هناك خلطة أصولية طائفية للشيعة ممثلة بالتحالف الوطني. فكل قواه من الاسلام السياسي الشيعي. وهو مركز القوة السياسية لامتلاكه النفوذ الأكبر في الحكومة أو السلطة.
ثم هناك "العراقية " السنية مذهبا، غير الأصولية سياسيا، حيث لا توجد فيها احزاب اسلام سياسي سني. في انتخابات 2005 كانت "جبهة التوافق" السنية أصولية وطائفية. انتهت هذه الجبهة وورثتها  "العراقية" التي تحولت الى قائمة "طائفية علمانية" في انتخابات 2010 . بمعنى ان مصالح الطائفة الدنيوية كعصبية اجتماعية هي الاسمنت الرابط بينها، من دون العقيدة الأصولية. والتخفف من اعباء الأصولية، ووجود زعيم شيعي على رأسها، وعلمانيتها النسبية، جذبت اليها جمهورا من الشيعة، وأدت الى فوزها في انتخابات 2010 . وهذه التجربة استنزفت قوتها، ولن تستطيع استعادة زخمها في الانتخابات المقبلة. واخيرا هناك التحالف الكردستاني ذو الطابع القومي الحاكم في اقليم كردستان.
ان امكانية توجيه الأزمة نحو تغييرات للأفضل واردة. والوسيلة الوحيدة اليها هي الحوار. ولكنه حوار يحتاج الى رفع سقفه الى مناقشة مبرر وجود العراق نفسه، أو إعادة تعريف فكرة العراق. وهذه مهمة تتجاوز أزمة الصراع على السلطة، وتسمو بها الى مناقشة كبرى حول مستقبل البيت. وهي مهمة تتطلب آباء مسؤولين لا أشقياء مغامرين.هل يجعلها هذا الشرط مستحيلة؟

 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: جائزة الجوائز

العمود الثامن: لماذا خسرت القوى المدنية ؟

عندما يجفُّ دجلة!

الأقليات وإعادة بناء الشرعية السياسية في العراق: من المحاصصة إلى العدالة التعددية

قناطر: من الخاسر الحقيقي في الانتخابات ؟

العمود الثامن: مع الاعتذار لعشاق الانتخابات !!

 علي حسين أثار المقال الذي نشرته أمس في هذا المكان بعنوان " لمذا خسرت القوى المدنية " انزعاج البعض ، وشتائم البعض الآخر وسخرية مَّن يعتقد أننا نعيش أزهى عصور الديمقراطية ، وأن...
علي حسين

باليت المدى: الأخوات العشر

 ستار كاووش ثلاث ساعات بالقطار كانت كافية للوصول من شمال هولندا الى مدينة كولن الألمانية. هي ثلاث ساعات فقط، لكنها كانت كفيلة أيضاً بنقلي من عالم الى آخر. ترجلتُ عند محطة كولن وسحبتُ...
ستار كاووش

حوار نووي ساخن: هل تهدد موسكو وواشنطن بعضهما الآخر بالأسلحة الفتاكة؟

د. فالح الحمـــــراني منذ أن أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 29 تشرين الأول بيانًا يأمر فيه البنتاغون ببدء تجارب الأسلحة النووية "على قدم المساواة". وموضوعة الأسلحة النووية باتت الشغل الشاغل ليس لوسائل الإعلام...
د. فالح الحمراني

الفوز اللافت لزهران ممداني: "مقاربة عراقية"

د. أحمد عبد الرزاق شكارة الفوز اللافت لزهران ممداني في انتخابات عمدة نيويورك يجعلنا نفكر في الدلالات والتداعيات لمثل هذا الزلزال ليس فقط على الصعيد الأمريكي وإنما في العراق ذاته في مقاربة (مع الفارق...
د. أحمد عبد الرزاق شكارة
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram