أ.د.قاسم حسين صالح*
قدمت قناة السومرية مساء ،الجمعة 3/11/12 حلقة خاصة عن الجنسيين المثليين في برنامج (الهوا لك).ومع أن مقدّم البرنامج (السيد ناطق)حاول أن يتناول هذه القضية بموضوعية عبر الاتصال هاتفيا بطبيب نفسي يعمل بمستشفى الرشاد في بغداد،واستطلاع رأي رجل دين في لقاء مصور،ولقاءات بجنسيين مثليين ومواطنين عاديين ،إلا أنه اضطر أن يساير المزاج الشعبي عبر ساعتين من الاتصالات الهاتفية ورسائل الأس أم أس،تلخصت أهم مواقفها بالآتي:
1.حرق الجنسيين المثليين في العراق
2.إن ظهورهم في هذا الزمان يعد علامة من علامات الساعة
3.تقصير الحكومة في عدم اتخاذها إجراءات حاسمة بحقهم
4.تقصير الأهل في عدم متابعتهم أولادهم المراهقين
5.تحميل فيسبوك والانترنت وكثرة المقاهي سبب ظهورهم الآن.
وما يلفت انتباهك أن حدة المزاج الشعبي الانفعالي لا تزال هي " السلطة "في الشارع العراقي..بمعنى أننا نتعامل مع الظواهر الاجتماعية السلبية أو المدانة أخلاقيا ودينيا ..بعقلنا الانفعالي الذي ينحّي العقل العلمي والمنطق العقلاني في التعامل مع هذه الظواهر ،فكان الحل الذي قدمه المزاج الشعبي في معالجة هذه الظاهرة أن طالب المتصلون عبر الهاتف ورسائل الأس أم أس بـ(حرقهم بالبنزين،وذوله كفره ما يستحقون الحياة،الحرق قليل بحقهم،إعدامهم وتعليقهم بالشوارع،لازم انقطعهم وصل وصل،الله واكبر راح تنكلب بينا الدنيا...).
وإذا كانت الغالبية المطلقة قد طالبت (بحرقهم)،فان كثرة أخرى تعتقد بأن ظهور هؤلاء المثليين يعد من علامات الساعة.
وتعكس هذه الأفكار والمواقف كيف أن المزاج الانفعالي العراقي يفوض لنفسه سلطة الانتقام من الآخر بأبشع الطرق (ويذكّرك بما جرى في عامي 2006و2007 من تحكم الانفعال في استسهال قتل الآخر)،ومدى تخلف الوعي بحشر قضايا اجتماعية في تخريجات دينية بعدّ ظهور هؤلاء الآن بأنه من علامات الساعة ،مع أنهم كانوا موجودين قبل ظهور الإسلام وبعده..يعني أكثر من ألف سنة وما قامت الساعة!
كان ينبغي أن يوضح للناس أن الجنسيين المثليين على ثلاثة أصناف:
الأول:صنف مرضي نشخّصه نحن النفسانيين بـ(اضطراب الهوية الجنسية)..نوضحه بأن كل واحد منّا نحن الرجال يمتلك هويتين :هوية بايولوجية بمعنى أن جسمه جسم رجل،وهوية نفسية تتضمن إحساسه ومشاعره بأنه رجل وتمثله لقيم المجتمع الخاصة بالرجل.فإذا تطابقت الهويتان،البايولوجية والنفسية،كان تصرفه الجنسي طبيعيا،وإذا تعارضت الهوية النفسية مع الهوية البايولوجية، أي أن مشاعره مشاعر أنثى وجسمه رجل، يحصل لديه اضطراب يوصله إلى نتيجة انه ولّد في الجسم الخطأ،ويدفعه إلى أن يتصرف تصرف أنثى .
إن السبب في هذا الصنف (المنحوس) من المثليين هو خطأ في التكوين البيولوجي يستدل عليه بان هذه الظاهرة تنتشر بين الحيوانات وبخاصة الطيور والقردة..يعزى إلى خلل في الدماغ.هذا يعني أن الجنسي المثلي من هذا النوع مريض وليس مسؤولا عن تصرفه، وان حاله حال المصاب بمرض السرطان.ولهذا لا يصح اعتبار تصرفه على انه خرق للقيم الدينية وتحدّ للتقاليد الاجتماعية كما يفسره العقل الانفعالي الشعبي،الذي سايره البرنامج للأسف ،وخسر فرصة تثقيف الناس وأجهزة السلطة وبعض المتطرفين الدينيين ،الذين منحوا أنفسهم حق الانتقام من الجنسيين المثليين قبل عامين بأن سدوا فتحات مقاعدهم بالسيكوتين وشربوهم مادة المسهل وراحوا يتلذذون بصراخهم ورؤيتهم كيف يموتون.
والثاني:صنف سببه جهل بأسلوب التنشئة الأسرية للأطفال بعمر السنتين إلى خمس وست سنوات تحديدا..كأن تتباهى الأم بجمال ابنها وتصف وجهه "شكد حلو عبالك وجه ابنيه" وتسرّح شعره الطويل وتضفره جدائل.وإذا ظل الطفل يلعب مع البنات ،وكان أبوه لا يتمتع بصفات الرجولة،وافتقد أنموذج الرجل،فإنه تتشكل لدى البعض من هؤلاء الأطفال هوية نفسية أنثوية..تفضي بالنتيجة إلى أن يكون مثليا..وكان على البرنامج أن يوعي الأسرة بذلك ،وينبهها أيضا إلى أن ترك الطفل يلعب مع مراهقين،أو تعرضه إلى تحرش جنسي يشكل احد أهم أسباب الجنسية المثلية.
والثالث:صنف تسهم في تكوينه مجموعة أسباب تتضمن:سوء استخدام الانترنت،البطالة وإحساس المراهق بالعوز ،أصدقاء السوء،سهولة الحصول على المخدرات...
وما يدهشك هو معالجات هذه الظاهرة التي طرحت في البرنامج.فالعراقيون في الداخل اقترحوا (حرقهم) والعراقيون في الخارج اقترحوا تسفير هؤلاء المثليين إلى أوروبا لتخليص العراق منهم.وليس بغريب على العقل الانفعالي الذي تستفزه حالات من هذا النوع أن يقترح معالجات غير عملية فضلا عن كونها غير إنسانية.وكان على مقدم البرنامج أن يسألهم:لو افترضنا أن في العراق ثلاثة آلاف جنسي مثلي وأننا سفرناهم خارج العراق ،أو رميناهم في محرقة جماعية وحرقناهم جميعا ..فهل تنتهي هذه الظاهرة وتختفي نهائيا في العراق؟
إن قضية الجنسيين المثليين في العراق من اختصاص أربع جهات:الطب النفسي الذي يكون من اختصاصه وحده معالجة الصنف المرضي منهم،والأسرة في توعيتها بأساليب التنشئة الصحيحة للأطفال بعمر ما قبل الدراسة،والحكومة بمعالجة مشكلة البطالة،ووزارة الاتصالات بحجب المواقع الإباحية،ووسائل الإعلام عبر التثقيف الديني الحضاري في معالجة الظواهر غير الأخلاقية،والصحافة والإذاعات والفضائيات بشكل خاص.
ومع ذلك فان ما يحسب لقناة السومرية أنها تتناول قضايا اجتماعية تدخل في باب الممنوع أو المحظور أو فيها مجازفة، لا بهدف الكشف عنها وفضحها بل التوعية بمخاطرها وتبيان ضرورة معالجتها ،وهو عمل تشكر عليه.غير أن حلقة الجنسيين المثليين التي بثت لم تصل غايتها النهائية ،بل إن مقدم البرنامج اضطر مجبرا،لحساسية الموضوع وخشية مشروعة، أن يساير المزاج الانفعالي وإهدار الكثير من الوقت في الاستماع إلى اتصالات تعزف على نفس الإيقاع :إبادة الجنسيين المثليين في العراق..وكأن في إبادتهم يغدو العراق نظيفا من كل الرذائل..مع أن رذيلة الجنسيين المثليين وخطرها على الأخلاق لا تقاس برذيلة الفساد وما أحدثه من خراب في القيم والضمائر حتى بين من يلبسون العمائم..وكان عليهم أن يعدوا هذه من علامات الساعة!
* رئيس الجمعية النفسية العراقية
الجنسيون المثليون في العراق
[post-views]
نشر في: 7 نوفمبر, 2012: 08:00 م