عواد ناصرتصلح الورقة التي نشرها سهيل سامي نادر في (المدى) يوم الإثنين الماضي، محوراً لنقاش أساس، حول (المسألة كلها) كما عنون سعدي يوسف إحدى قصائده.أكثر من سبب يجعلني أقترح هذه الورقة للنقاش، منها أنها تأتي من مثقف عراقي مستقل يرى إلى المشهد السياسي من مسافة ضرورية لمثقف، أي مثقف، كيما يصبح الإدراك النقدي للحقيقة مسوّغاً مقبولاً، أي أن الشهادة، هنا، ليست بمجروحة.
دأبت قيادة الحزب الشيوعي، دائماً، على التشكيك بمنتقدي سياستها، وبالتالي سياسة الشيوعيين الذين يفترض بهم الالتزام بها وتطبيقها أو الترويج لها على أن اعتراضاتهم تأتي تالية و (داخل التنظيم) حسب ما تجود به اللحظة الديمقراطية (على مركزيتها) لطرح أفكار الرفاق ومناقشتها.نادر ليس وحده الحزين، على إخفاقات الشيوعيين المجلجلة في الانتخابات العامة الأخيرة، بل جمهرة من الشيوعيين والديمقراطيين واليساريين، بل شيحة من اللبراليين حتى، وقد لا يحزن بعض من هؤلاء وأولئك، على مآل الفكرة النبيلة المتجسدة في حزب، بل على التراجع المشين للمجتمع السياسي العراقي الذي دفع آخرين، حتى من كانوا غير متعاطفين مع الحزب الشيوعي إلى انتخابهم، ليس حباً فيهم بل كرهاً بمعاويات استحوذوا على الأخضر واليابس، ليس بسبب غدر التاريخ بل لأن التاريخ، نفسه، لا يقدم صفحاته للخجولين والمترددين والتلاميذ الذين لا يراجعون دروسهم إلا ليلة الامتحان.ومن الأسباب الأخرى التي تقترح ورقة نادر ميداناً للنقاش فكرته، المتبوعة باقتراح: "أن الماضي الشيوعي ظل مرجعا، وكلما زادت الاخفاقات في الحاضر ارتكن الى تاريخ الحزب مجددا بوصفه تاريخا حيا ، هنا والآن، والى الرمزية الشيوعية المدوخة بوصفها ربة الحكمة والاخلاق، ولهذا السبب لم يستطع هذا الحزب ان يكون نواة للقاء اليسار العراقي او للديمقراطيين التقدميين. من لا يتغير لا يستطيع ان يقود اي تغيير. ومن لا يعرف ان الشيوعية غادرت الميدان الفعلي سيجتر تاريخا غادره التاريخ. أما آن الأوان ان تنضاف دينميكية الشيوعيين العراقيين الى حزب ديمقراطي اشتراكي جديد؟ إنه اقتراح".وهي فكرة (واقتراح) سبق أن همست بما يشبهها بإذن الاستاذ حميد مجيد موسى، أثناء زيارتي للعراق في سبتمبر (أيلول) 2003 وكان ذلك في مقر الحزب (ساحة الأندلس) حيث كنت مدعواً، ضمن آخرين، إلى جلسة عامة، مفتوحة، ومختصرها هو أن الشيوعيين يتقوون ببيئة ديمقراطية منفتحة على الآخرين، مما يسهل عليهم استقطاب طاقات كبيرة من غير الحزبيين التقليديين، وعليه، بعد زوال الأسباب الموجبة للعمل السري (وإن ما زال ضرورياً في مناحيه التنظيمية، طبعاً) صار متاحاً للحزب الشيوعي العمل النوع، المركز مع الاحتراس الضروري من القوى المسلحة المنفلتة في الشارع العراقي (ذاك الوقت) وكانت غايتي الأبعد من تقوية حزب الشيوعيين هي صناعة بيئة سياسية ديمقراطية تتيح لكل الوطنيين، على اختلافهم، أن يعملوا بصيغة ما (يمكن وضعها لاحقاً) كي تكون هذه البيئة عامل توازن مع بيئات عراقية أخرى كرس نظام الحزب الواحد، المعروف بعنفه واستبداديته، نصفها وأكمل الطائفيون والفاسدون وطلاب الكراسي نصفها الآخر.كاد النقاش مع عدد من الأصدقاء الشيوعيين، في لندن، أن يكشف عن أنياب بلشفية مهدمة، عندما طرحت فكرة، ولتكن قاسية على من لم يعتد الفكرة المخالفة، مفادها أن الشيوعيين السوفييت ناضلوا نضالاً مريراً لبناء دولة استبدادية، شديدة التمركز، ينخرها الفساد الداخلي، ليحولها إلى دولة هشة أسقطتها، ضمن نشاط سياسي وإعلامي واسع، خلال الحرب الباردة، شركة ساندويتشات اسمها "ماكدونالد" وبعض شركات كمالية أخرى عاش المواطن السوفيتي معظم حياته يحلم بالتلذذ بها، على تفاهتها.. لأطرح سؤالي الجاد، خلال ذلك النقاش: هل ذهبت دماء آلاف الشيوعيين واليساريين والديمقراطيين العراقيين، منذ تأسيس الحزب الشيوعي العراقي، حتى اليوم، من أجل بناء دولة عراقية على غرار دول المعسكر الاشتراكي وعلى رأسه الاتحاد السوفييتي الشقيق؟أعترف بأن أصل الفكرة، هذه، تعود إلى نعوم شومسكي، الفيلسوف اليساري، الممنوع من النشر والتداول في كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق!إن ذاك المعسكر على سخائه المشهود في مجانية التعليم والضمان الصحي وتوفير كم لا بأس به من أساسيات الحياة اليومية، ودعمه غير المحدود (إلا للشيوعيين العراقيين بسبب العلاقة المصلحية مع نظام البعث منذ بداية سبعينات القرن الماضي) غير أنه سخاء إدارة السجن على المساجين مع الأسف.هذه نقطة أراها جوهرية لم أعثر عليها في الورقة الملتاعة التي نشرها العزيز سهيل، وهي في نقطة في صلب الآيديولوجيا الشيوعية العراقية التي لم تتحرر من خوفها عند النظر إلى تجربة (الأخ الأكبر).. نقطة تؤخذ على تلك الآيدلوجيا على كل ما تنطوي عليه من بعض الجوانب النبيلة وجملة (الأخلاقيات) التي توقف عندها الكاتب كثيراً باعتبارها (لا تطعم خبزاً في عراق الجياع والشبعانين معاً).المعروف أن الثوار، عبر التاريخ، خاضوا معاركهم الحاسمة وغير الحاسمة بأدواتهم وأدوات خصومهم، جنباً إلى جنب، بغض النظر عن الظفر والهزيمة، إلا الشيوعيين العراقيين الذين كانوا، وما زالوا، يواجهون الأسلحة الحديثة، على أكثر من صعيد، بالمنجنيق.إن بطولات الشيوعيين العراقيين التي جعلتهم في مصاف ال
من أجل مراجعـة نقديـة شـاملــة للفكـرة والتطبيـق والوسـائـل
نشر في: 30 مارس, 2010: 05:15 م