TOP

جريدة المدى > غير مصنف > محمود البريكان:الشعرية والفكر-حين يستل الشاعر صوته من الصخب اليومي

محمود البريكان:الشعرية والفكر-حين يستل الشاعر صوته من الصخب اليومي

نشر في: 31 مارس, 2010: 04:58 م

محمد صالح عبد الرضا*حين تقرأ نصاً شعرياً يحرك فيك نوازع الفعالية الفكرية وتحس أنه لا يرمي إلى عرض عملية فكرية تنتجها البلاغة الميكانيكية فلا بد من أن يؤلف ذلك النص الشعري صدى مؤثراً في نفسك، والنص البريكاني بمثل هذا التوصيف تتجذر فيه تجربة شاعر مفكر في حياته الشخصية وفي إبداعه الشعري إذ يعمل فكره كثيراً في معطيات الحياة،
 وكان لفكره الشعري تقنية التعبير عن الحياة نفسها وهو يضفي غلالة الشعر على الفكرة بصورة حية ومتحركة، ولعل أبدع ما في شعره تلك اليقظة الذاهلة والرؤى المتلاحقة والتأملات الفلسفية زاخرة الأعماق.والفكر الشعري عند البريكان له آفاقه وأغواره على درجة من الشدة الوجدانية، فهو ينقل الفكرة بعيداً عن التعبير الاعتيادي المتعارف عليه، وحضور الفكر الشعري الفعال لديه يمثل التعبير الشعري بأسره مع قدرة بارعة في الأداء تتحاشى غالباً اللجوء إلى المؤثرات الشعرية المطروقة. ولعل لقراءته الفلسفية وتأملاته في صومعة صمته الطويل مهيمناً فكرياً مركزاً ينسجم وذاته إزاء القضايا الكونية الشاملة والإجهاز علي المآسي التي تكابد الإنسانية منها، فهو لا يرمي إلى عرض عملية فكرية. إنها العضوية في شعره لا تنفصم عن فكره عبر الإيمان العميق بالإنسان كائناً أسمي فهو حيناً يمجد حرية الإنسان وخلودها كما في قصيدة (أنشودة لأخلد الأشواق): فليتمجد أسمك الرائع في الأسماءفليتحد نورك الدهراأيتها الحرية الجميلة البيضاء أيتها الملهمة الكبرى لأجلك الإنسان لاقى الوحش في الغابة (1)وحيناً يسأل عن وحشة الإنسان ولقياً المضاع من حبه كما في قصيدة (إنسان المدينة الحجرية):من أين جاءت هذه الوحشة في قلبك؟كيف تلاشى الدهر عن رؤيا بلا ألوان وأين ترجو أن تلاقي أيها الإنسان ما ضاع من حبك؟ ومن خلال قراءة في موضوعة أثر الفكر في الإبداع الشعري للناقد هـ. كوفنر ومحاولة تطبيقها على النص الشعري الفكري البريكاني نستطيع تأشير ما يلي:1ــ إن البريكان لا يأخذ من هنا وهناك بعض الأفكار المطروقة وإنما يحاول أن يغوص في داخل فكره.2 ــ أظنه يفكر ملياً قبل أن يضع أفكاره موضع التنفيذ الشعري.3 ــ فكره الشعري مقنع بما أوتي من قوة الإيحاء وجلاء العبارة وتماسك الفكرة.4 ــ يضفي على المفردة اللغوية مفعولاً إيجابياً في خلق الفكر الشعري.5 ــ حساسيته الشعرية تستوعب الفكرة وتقدمها مفعمة بالحركة والحياة.6 ــ تجربته الروحية والحسية تتقمص جسداً في الشعر.7 ــ في الوسع القول إنه يفكر ويكتب شعراً وهو شاعر قبل كل شيء.8 ــ جعل إيقاعه وصوته وصورته أموراً مرتبطة ارتباطاً فعالاً وعضوياً بفكره الشعري.9 ــ فكره الشعري ينبثق من الداخل من مكونات الكتابة نفسها ليكون جزءاً أصيلاً منها لاعنصراً دخيلاً عليها. 10 ــ الإيمان بأن الشعر هو أبن النزوع الإنساني وموضوعه الأساس تجربة الوجود بكل شمولها.ويؤكد البريكان نفسه أن الفكر يمكن أن يظهر في الشعر كونه دلالة التجربة. (2)ذاتها كما إن للفكر أن يبدو عبر صراع المتناقضات، وان الشعر العميق يبدو بالقياس الى الشعر المعتاد مشحوناً بالفكر وكذلك يصرح البريكان (أن فكرتي الشعرية مؤسسة على التجربة وإمكانياتها) وهو القائل:(وعبر الصخب اليومي أنمّي صوتي الناصع وألقي وهج الفكر على الواقع)ويشير الناقد طراد الكبيسي في مقالته (محمود البريكان شيء من الذاكرة شيء من النقد)، إلى أن الصورة الشعرية عند البريكان بعد عام 1958 بدأت تقترب لأن تكون (فكرة مصورة) خالقاً ما أطلق عليه بعضهم (قصيدة الفكر).وإن البريكان يجسد مأساة الإنسان المعاصر الإنسان المغترب عن العالم الحي الحقيقي، وشخوصه مهزومة بالمعني الاغترابي وهي تمتلك فكراً وتطلعات واختياراً. ومن ذلك عنايته بمسألة المصير الإنساني وموت الإنسان في داخله حيث للذكرى غيبوبتها كما جاء في قصيدته (قداس شاعر على حافة العالم):ووحده يموت في داخله الإنسانفي العالم الباطن في مركز السريرة الساكنيموت في غيبوبة الذكرى ويجمع من كتبوا في شاعرية البريكان أنها تكشف عن المصيري والكوني في نظرته إلى الإنسان والزمن والوجود والحقيقة والحياة والموت حيث تتمثل في وجدان شاعر غنائي مفكر، ويتضح ذلك في قصائد عدة منها (أسطورة السائر في نومه) و(إنسان المدينة الحجرية) و(هواجس عيسي بن ازرق) وغيرها.وحين بحث أدونيس في الشعرية والفكر لاحظ إن النص الذي يتفجر فيه الفكر تتفجر فيه اللغة نفسها حيث الغوص في أعماق الذات والوجود والكشف عن أبعادهما، وحيث يبدو النص كأنه يتدفق علي مسرح الذات وحيث تتألف الكلمات في جنون جميل آسر وكأن اللغة نفسها حركة الكائن، ويخلص أدونيس إلي إن (3)الفكر هنا شعر خالص والشاعر فكر خالص وهذا ما ينطبق إلى حد ما على غالب شعر البريكان الشاعر المفكر الذي وإن بدا بعيداً عن الحياة المباشرة إلا إن الحياة العميقة تنمو في قصائده ورؤياه التي تستجوب الإنسان:ماذا تقول أنت في هدوئك الأليم؟للأفق المدور والمغلق والشعاعألم تكن يوماً طليق القلب والبصر؟ألم تكن يوماً طفلا" جميل السر لا يحاكم البشرألم تكن يوماً تهرع للشمس وتشتاق إلى القمر؟ rn*اكاديمي وباحث عراقي

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

البرلمان يستأنف جلساته الاسبوع الحالي بعيداً عن التشريعات الجدلية 
غير مصنف

البرلمان يستأنف جلساته الاسبوع الحالي بعيداً عن التشريعات الجدلية 

بغداد/ المدى كشف نائب رئيس الأقاليم والمحافظات البرلمانية جواد اليساري، مساء اليوم السبت، عن عودة عقد جلسات مجلس النواب خلال الأسبوع الحالي، فيما أكد عدم وجود أي اتفاق على تمرير القوانين الجدلية. وكان البرلمان...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram