اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > غير مصنف > الشعرية المفقودة

الشعرية المفقودة

نشر في: 31 مارس, 2010: 05:07 م

حسن ناظم*داخل القفص الخشبيفي مؤخرة الشاحنةيقبع القرد. يبدو عليه الهدوءيتفحص ما حوله
تنطوي تحته الأرض مسرعةًتتباعد عنه المناظرتنطلق الشاحنةفي الطريق الذي يتلوى ولا ينتهي وهي تهتزّيضطرب القردلكنه يستعيد الهدوء...rnلا يعرف القرد شيئاً عن المختبر، غرفة الأجهزةوالمجاهر والمبضع الدموي حيث تُصنَع من مخِّه الأبيض المستديرعينات التجاربمن فجوات القفص ينظر القرد. يلقي على كلّ شيءنظرة ساكنة.rn البريكان، من قصيدة "رحلة القرد"rnيُكتشَفُ بعضُ الشعراء بعد حين، في زمان غير زمانهم. قد يغطُّ بعضهم في سبات عميق طويل، ثمّ تستنهضهم حقبٌ جديدة لاعتبارات جديدة، وقد ينتفض بعضُهم فجأة دون أن يدع النسيان يلفّ عالمه لوقت طويل. والوضع الأخير يصحّ على محمود البريكان (1929-2002) أكثر من أيّ شاعر آخر. اختطت شعرية البريكان طريقاً آخر لم يتبنَّ قوانين اللغة الشعرية المستنبطة عبر تاريخ حقل شعرية الشعر، وذلك في قسم كبير من أشعاره الناضجة التي غادرت تجربة البدايات، فبداياته لها مشتركات أساسية مع حركة الشعر الحر، والمقصود تحديداً هنا قصائده ذات اللغة التي تبدو لأول وهلة أشدّ مباشرية لكي تصلح لتجسيد قصيدة؛ وذلك جليّ في جملة من القصائد التي اعتمد فيها على ما في اللغة العادية من لغة شعرية مختلفة، الأمر الذي سنوضّحه لاحقاً. وعلى الرغم من ذلك، تبقى شعريته مفقودة؛ وواحد من معاني الشعرية المفقودة أنها بقيت بعيدة عن التأثير في حركة الحداثة الشعرية العربية، ولهذا التعبير جانب آخر سنأتي عليه بعد قليل.فجأة، صار اسمُ محمود داوود البريكان1 على كلّ لسان، شعراء كُثْر تحدثوا عنه يوم مقتله العنيف في داره بسكّين لصّ. غير أن المقتل المأساوي غير كافٍ لاستدرار كلمات الثناء، فهم فوجئوا بكلمات البريكان أكثر من مقتله، وما مقتله سوى باب واسع انفتح أمام أشعاره، وأفق عريض راده وسيروده القراء يوماً بعد يوم. هكذا وجدتْ كلماتُ البريكان وعمقُها المريع طريقَها إلى الفكر والقلب في آن، هذه الكلمات التي ترتجف لها البواطن، صارت كنزاً فجأةً، لقد كانت موجودة رغم ندرتها، لكنّ أحداً لم يتضرّع بها إلى أعماقه تضرّعاً يطامن من الرهبة، ولم تكن تلقى مثل هذا الاهتمام المحفوف بالرغبة العارمة لاستكشافها، أهي الميتة العنيفة، تقوم فاصلاً، وعلامة فارقة، أم أنها الكلمات البريكانية وقد صارت كنزاً من ذهب، مطموراً في ضباب التفلسف، وغموض "العوالم المتداخلة"؟يُشعرنا البريكان بالرهبة من العالم المكتنَف بالأسرار. وقد "سخّر" الشعر لكتابة بصائره، هو الذي قال: "يبدو لي أن الشعر فنّ لا يقبل التسخير". لكن هذا "تسخير" يردّ الشعرَ إلى جوهر صاف، إلى طموح معذّب أن يعبّر عن الهول الكبير الذي يجتاح الذات وهي تتأمل الباطن الغامض والظاهر العصيّ على الظهور. البريكان هو الشاعر المُسْتَبْطِن بامتياز، والاستبطان أحد مفاتيح، إلى جنب مفاتيحَ أُخَر، تأويل انزوائه الشهير وعزلته وعزوفه عن نشر أشعاره2. ويلوح لي الآن، بعد هذا الاستغراق في عالم البريكان الشعري، أن محاولة النقاد تأويل عزلته واعتزاله ببُعد واحد من أبعاد حياته وكتابته وأفكاره إنما هي محاولة تحمل معها نُذُرَ الفشل، فدواعي تلك العزلة عديدة، ومقتربات النقاد إليها مختلفة ومتشعبة، لكن حُزمة هذه الدواعي المنبثّة هنا وهناك، في أبحاث متنوعة، تفضي بمجملها إلى التأويل الأقرب لعزلته. مِنَ الباحثين مَنْ علّل تلك الظاهرة بالرؤية العدمية والإحساس باللاجدوى، ومنهم من قال برُهاب الآخر أو كرهه، وآخرون عمّموا الظاهرة بالقول بتبنّيه موقفاً وجودياً.لا شكّ في أن التوطئة الإجمالية لقصيدة محمود البريكان لا تخرج عن نطاق ثقافة العصر الذي نشأ فيه شاعراً، فهو ابن الجيل الخمسينيّ، جيل بدر شاكر السياب (1926-1964)، وعبد الوهاب البياتي (1926-1999)، ونازك الملائكة (1922-2007)، وبلند الحيدري (1926-1996) وغيرهم، لكن فرادة البريكان تكمن في أنه عقدَ جدلَ وعيِه ونصِّه عقداً فريداً، ليس بعيداً جداً عن جدل وعي الريادة ونصّها، ريادة الشعر الحرّ (فهو باشر مع الرواد كتابة الشعر الحديث والمطولات الشعرية مثل مطولة المجاعة الصامتة وأعماق المدينة)، بل قريب منه بعضَ الشيء، وبعيد عنه بعضَ الشيء. لذلك يأتي نصُّه مرةً ضمن سياق نصّ الريادة الشعرية إبّان الخمسينيات، ويأتي مرة أخرى نصّاً شارداً عن هذا السياق. وهذا التصنيف لا ينتظم جميع الأشعار التي كتبها البريكان، فهو شأنه شأن أيّ شاعر، له بدايات وخواتيم متباينة وذات تنوّع أسلوبي ورؤيوي.بلغ البريكان، ضمن هذا النصّ الشارد، نصّه الناضج، ذروة شعرية خاصة به. فأزمة القصيدة العربية التي تمخضّت عنها أعنفُ تجربةٍ تجديدية حَرَفَتْ الشعرَ عن مساره التقليديّ لأربعة عشر قرناً، كانت في اللُّبِّ من تفكيره الشعريّ. غير أن ما صاحبها من أزمة فردية فكرية ونفسية خاصة بالشاعر هي الحاسمة أيضاً في رسم وتأسيس نزوع خ

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ليفربول يخسر وديا أمام بريستون

مجلس الخدمة ينشر توزيع حملة الشهادات والاوائل المعينين حديثا

البرلمان يشكل لجنة إثر التجاوزات على اقتصاد العراق وأراضيه

بايدن يرفض دعوات الانسحاب من الانتخابات الامريكية : انتظروني الأسبوع المقبل

وفاة محافظ نينوى الأسبق دريد كشمولة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

موظفو التصنيع الحربي يتظاهرون للمطالبة بقطع أراض "معطلة" منذ 15 عاماً

علي كريم: أنا الممثل الأقل أجرًا و"باب الحارة" لم تقدم حقيقة دمشق

مقالات ذات صلة

علي كريم: أنا الممثل الأقل أجرًا و
غير مصنف

علي كريم: أنا الممثل الأقل أجرًا و"باب الحارة" لم تقدم حقيقة دمشق

متابعة / المدىأكد الفنان السوري علي كريم، بأن انتقاداته لأداء باسم ياخور ومحمد حداقي ومحمد الأحمد، في مسلسلي ضيعة ضايعة والخربة، لا تنال من مكانتهم الإبداعية.  وقال كريم خلال لقاء مع رابعة الزيات في...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram