اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > غير مصنف > محمود البريكان الصامت الأزلي

محمود البريكان الصامت الأزلي

نشر في: 31 مارس, 2010: 05:08 م

شكيب كاظم*لقد قرأت الكثير عن الشاعر العراقي محمود البريكان العازف عن الشهرة والنشر والمتوحد مع شعره وموسيقاه ودنياه الخاصة التي أنشأها لذاته بعيدا عن دنيا الناس ولهوهم وما تعارفوا عليه من طرق العيش واللهو، والمقتول غيلة وغدرا ليل الخميس 28 شباط (فبراير) 2002
 ولعل الكثير من الذين تناولوا حياة البريكان بل كلهم وقفوا عند ناحية محددة في حياته الأدبية هي عزوفه عن النشر ولقد عزا الكثيرون منهم هذا العزوف إلى أنه كان يربأ بنفسه عن أن يجعلها في خدمة الممدوح لكن هذا الأمر لا يكاد يقف على قدميه، إزاء حقائق الحياة الخاصة للشاعر والعامة، وحقائق الحركة الشعرية والثقافية في العراق فالرجل صامت أزلي، ساكت لا يكاد يبوح إلا بالقليل هو عازف عن النشر ولعله عازف عن الكتابة، وكدت أقول: بل هو عازف عن الكتابة، مسقط هل (اللعل!!) وإلا أين شعره الذي كتبه في حياته، وأين هذا الذي خلفه بعد رحيله المأساوي، الصامت؟ إذ قتله القاتلون وحيدا مستقراً في داره، طمعا بشيء من المال، ومن أين للبريكان المتوحد الصامت، المتمترس بصمته إزاء الحياة المال!!؟ هو عازف عن الكتابة والنشر ابتداء، هو صامت أبدا لما حاول السياب منذ زمن بعيد، إخراجه عن صمته، إذ نشر مقاله في الملحق الأدبي لجريدة (الشعب) لصاحبها يحيى قاسم عام1957 وليقف القراء مليا أمام التاريخ (1957) ذكر فيها أن (سأحاول بذل كل جهد لاخراجه من صمته ليتبوأ المكانة اللائقة به).هو ساكت أزلي لو لا بعض محاولات لكسر الطوق حول نفسه، وهذا شأنه، ولم يكن ساكتا لأنه لا يريد مدح فلان أو فلان، وألا مرت على العراق عهود وعهود منذ ذلك التاريخ عام (1957) والرجل ساكت لا يكاد يبرح سكوته، وأصبح السكوت هو القاعدة، والكتابة هي الاستثناء وخرق القواعد!! إذ لم ينشر علي مدى أكثر من نصف قرن من الزمان، الذي يشكل عمره الإبداعي في دنيا الكتابة ومحرابها غير خمس وثمانين قصيدة، والمعدل يقل عن قصيدتين سنويا!! إننا مهما حاولنا إيجاد التبريرات والأعذار لعزوف الشاعر عن الكتابة والنشر من كره للشهرة، وصد عن اللقاءات العامة أو زهد الذيوع أو الانتشار، أو بعد عن أجواء الممدّحين، أو، أو، فلن نجد له عذرا في وأد موهبته، وقتل قريحته وروح الشعر فيه تحت سياط الصمت اللاذع، وجلد ذاته بمنعها عن البوح الشعري، والتغريد في أفنان الشعر وأيكه البواسق، وما أرقه في دنيا الإبداع، هو الذي يصف منطقة الإبداع الشعري، بمنطقة الذات العميقة، التي لا يستطيع الوصول إلي أعماقها بله ضفافها، إلا المبدعون الأصلاء، وقديما نسب العرب الشعراء، إلي وادي عبقر، فمنه ينهلون، وإذ عجزوا عن تفسير ظاهرة الإبداع الشعري لدى الشعراء، وكلوا بكل واحد منهم جانا يكون ملهمه ومسعغه، وفاكا لمغالق الشعر ودنياه عنده. ماسوشية فاجعةإن الشاعر هذا شأنه، وهذا فهمه للشعر، ما كان له أن يصمت هذا الصمت الأزلي المأساوي، ليجعل حياته وتراثه الشعري القليل، مهيأ لتفسيرات المفسرين، وطي حياته ونصوصه بالشكل الذي به يرغبون، وما كان احرى بــ (حارس الفنار) أن يكون حارسا لارثه الإبداعي وتوجهاته في الحياة والأدب، بعيدا عن رأي الآخر وتدخلاته وتفسيراته.لقد مارس الشاعر الراحل محمود البريكان ماسوشية فاجعة معذبة، إزاء ذاته، إذ طوق منطقة إبداعه الشعري، منطقة ذاته العميقة، بسلاسل الكبح، وقمعها عن أن تكون طائرا غردا، وقمعها من أن ترى حصيلة بذاره وغرسه، فالإنسان عامة، والمبدع خاصة، والشاعر على وجه أخص، يريد أن ينظر إلى ثمرة جهده وتعبه، أن يراه مشخصا، ومؤثرا في ذاكرة القراء والمتلقين، وإلا، تبقي صرخته في واد، ولو أطلق البريكان صرخته، لكنا وجدنا لها صدى أو بعض صدي، لكنه كتم صرخته، وقمع ذاته ومنعها من أن تري لذة هذا البوح، وثمرة هذا الغرس، فكان أن جني على نفسه، بأن عاش في الظل طوال حياته الثقافية، ولم يؤسس لذاته منهجا أو تيارا، ولم يظهر له ديوان شعري، يحفظ بعض هذه القصائد القليلات التي نشرها، ولم يتناد العديد من أصدقائه وتلاميذه ومريديه ــ وأهل البصرة طيبون ذوو شفافية ونبل ــ لنشر ملفات تتناول حياته وشعره لعاش في الظل الظليل، والفيء السميك، مضيعا فرصا كثيرة، فالدنيا لا تقف عند من يعزف عنها ويطوي كشحه منها، لكن هي بعض سعادات الحياة، أن يهيأ للشاعر المغمور الظالم نفسه محمود البريكان بعض أصدقائه، فينشر بعض إبداعاته القليلة، وهذا الشاعر الحافظ للصداقة والود حسين عبد اللطيف عكف علي أكثر من ملف عن البريكان، أحدها المنشور في مجلة (الأقلام) بعد رحيله المأسوى ــ العدد الثالث لعام 2002 ــ وكانت مجلة (الأقلام) الرائعة قد نشرت ملفا عنه عام 1993 والناقد حسين عبد اللطيف شغوف باعداد ملفاته عن البصرة الجميلة، وفي الذاكرة ملفه المنشور في مجلة (الأقلام) عام 2000 عن المبدع محمود عبد الوهاب.صمته الممض هذا، دفع بالناقد حسين عبد اللطيف إلي أن يلاحظ (الخليق بالملاحظة في مسألة محمود البريكان، أن السور الذي ضربه حول نفسه، أو متراسه أمام شعره أنهار بكل بساطة، وأصبح عرضة لكل يد أو مزايدة أو إدعاء كاذب أو معرفة ناقصة، وأصبح نفسه مشجبا أو أسطورة بعد السياب. ذلك ما تحدثنا به معه مرارا وحذرناه منه على حياته لكن الاستجابة كا

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ليفربول يخسر وديا أمام بريستون

مجلس الخدمة ينشر توزيع حملة الشهادات والاوائل المعينين حديثا

البرلمان يشكل لجنة إثر التجاوزات على اقتصاد العراق وأراضيه

بايدن يرفض دعوات الانسحاب من الانتخابات الامريكية : انتظروني الأسبوع المقبل

وفاة محافظ نينوى الأسبق دريد كشمولة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

موظفو التصنيع الحربي يتظاهرون للمطالبة بقطع أراض "معطلة" منذ 15 عاماً

علي كريم: أنا الممثل الأقل أجرًا و"باب الحارة" لم تقدم حقيقة دمشق

مقالات ذات صلة

علي كريم: أنا الممثل الأقل أجرًا و
غير مصنف

علي كريم: أنا الممثل الأقل أجرًا و"باب الحارة" لم تقدم حقيقة دمشق

متابعة / المدىأكد الفنان السوري علي كريم، بأن انتقاداته لأداء باسم ياخور ومحمد حداقي ومحمد الأحمد، في مسلسلي ضيعة ضايعة والخربة، لا تنال من مكانتهم الإبداعية.  وقال كريم خلال لقاء مع رابعة الزيات في...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram