حازم مبيضينيتأثر المجتمع الأردني بالنتائج السلبية لمفاوضات السلام الإسرائيلية الفلسطينية، وتتأثر السياسات بما يقال عن تدخل غربي لفرض إصلاحات ديمقراطية قد تكون لها تأثيرات بعيدة الغور والمدى في الهوية الوطنية، التي يدور حولها لغط كبير نظراً لكون أكثر من نصف حاملي الجنسية الأردنية
يتحدرون من أصول فلسطينيه، غير أن هذه التدخلات لا تواجه بالسلبية عند صانع القرار وهو يعلن تبنيه لتلك الإصلاحات ويعمل ببطء واضح على تنفيذها. الإصلاحات المطلوبة تتعلق أولاً وأساساً بتعديل قانون الصوت الواحد الخاص بالانتخابات التشريعية، والواضح أن التعديلات التي تعمل عليها الحكومة لن تمس جوهر هذا القانون، وبحيث تؤدي الانتخابات البرلمانية المتوقعة نهاية هذا العام إلى برلمان يتمتع بثقل سياسي على عكس السابق الذي حله الملك قبل انتهاء فترته نظراً لمناكفة أعضائه للإصلاحات التي يرغبها الملك، ويرفضها المحافظون الراغبون باستمرار الأمور كما هي في الوقت الراهن، ولن تكون الإصلاحات التجميلية مرضية للغرب الراغب في تغيير جوهري يضمن الحقوق السياسية الكاملة للأردنيين من أصل فلسطيني، وبما يؤدي إلى إنهاء الانقسام حول الهوية الوطنية، ويكرس العمل بالدستور الذي يعيد مسؤولية القرار السياسي للمؤسسات الدستورية بدلاً من استئثار أشخاص باتخاذ تلك القرارات. تتركز المخاوف عند هرم الدولة من ربط الغرب لمساعداته الاقتصادية للأردن بإصلاحات تساوي بين جميع المواطنين، لكن المحافظين يرون في النصائح الغربية تدخلاً في الشأن الداخلي سعياً لفرض التوطين السياسي الذي يصب في مصلحة إسرائيل كدولة يهودية على حساب الأردن، وهم يشككون بالتوقيت والأهداف وينتقدون اقتصار الحوارات الغربية على نشطاء المجتمع المدني المتحدرين من أصول فلسطينية. المحافظون ينتقدون " دعاة الحقوق المنقوصة " باعتبار أنهم يريدون استبدال القضية الفلسطينية بزيادة مقعد في البرلمان الاردني، ويؤكدون أن الشعبين الأردني والفلسطيني يرفضان استبدال وطن بآخر، والحالة الأردنية مستقرة ولا يجوز تغيير أي شيء فيها بتكرار تجارب دول مجاورة، وفي مواجهة هؤلاء هناك من يؤيد الحوار مع الساسة الغربيين بحثا عن إصلاحات حقيقية ويعتبرون أن الحديث عن انتهاك الخصوصية والسيادة الوطنية لمجرد إبداء الآراء واللقاءات، كلام لا يغني من جوع وفزّاعة لإرهاب الناس، ويؤكدون ضرورة قبول النصائح بالقدر الذي تقبل فيه المساعدة الاقتصادية لان العالم أصبح دولة صغيرة، وما يحدث في الأردن يؤثر في أوروبا وأميركا وبالعكس. رغم كل اعتراضات قوى الشد العكسي، فان مسيرة الإصلاح ماضية، لكنها تحتاج للمؤسسة وبحيث لا تكون عرضة للانقلاب عليها، واللافت أن صانع القرار مستعد، لمشاركة قوى المجتمع المدني في الاستماع لنصائح الزوار والعمل بها بسبب الرغبة في الحفاظ على صورة الأردن الإيجابية في الخارج لضمان استمرار وتعظيم الدعم السياسي والاقتصادي الضروريين لاستمرار الدولة، لكن المهم هنا ان تنفتح مفاصل الدولة على مكونات المجتمع لشرح حدود التغيير المنشود على قانون الانتخاب، وكسب تعاطفهم بدلاً من تركهم عرضة للإحباط يتطلعون للدعم الخارجي، ويتحولون إلى خاصرة رخوة تسمح بنقل الصراع الفلسطيني مع الإسرائيليين إلى صراع داخلي بين الشرق أردنيين ومواطنيهم المتحدرين من أصول فلسطينية. إذا كانت إصلاحات الملك تستهدف توسيع المشاركة الشعبية في صناعة القرار في مشروع يعزز المشاركة الشعبية على مستوى القاعدة، انطلاقاً من الحاجة إليها ولأن ذلك ضرورة وطنية وليس امتثالاً لتوجيهات خارجية، فان قوى الشد العكسي ستجد نفسها في الزاوية الضيقة، أما إذا كانت تستهدف المشاركة في حل المعضلة الفلسطينية على حساب الشرق أردنيين فان الصورة ستنقلب إلى الضد وقد تفضي إلى ما لم يتوقعه أحد.
خارج الحدود :الأردن والإصلاحات السياسية
نشر في: 31 مارس, 2010: 05:47 م