هو الضاحك الباكي .. هو الثائر الساخر .. هو الكوميديا السياسي وهو الفيلسوف .. هو سي نجيب الريحاني .. امام كوميديانات القرن العشرين .. وعمدة كوميديانات الشرق الاوسط .. وقائد كتيبة المضحكين .. والمتأمل في مسرحيات وافلام نجيب الريحاني يجد انها تحمل بين ثناياها بعض الافكار السياسية .. والتي لاتخلو من الكوميديا الصارخة .. عملا بمبدأ .. شر البلية ما يضحك ..
من هذا المنطلق .. منطلق هذه الحكمة .. بدأ مسرح الريحاني .. واستمر اكثـر من نصف قرن .. بل سار على دربه باقي المضحكين في النصف الثاني من القرن .. رغم التطور المذهل الذي طرأ على الفكر الاجتماعي .. والثقافات المستوردة او النظريات التي فلسفت كل شيء حولنا في الوطن العربي. فلم يكن احد يتصور ان يتخيل ان الطفل الذي ولد في عام 1891 ميلادية من ام مصرية واب عراقي وسمي نجيب وعاش في حي الظاهر بالقاهرة وبدت عليه ظاهرة الانطوائية ابان دراسته بمدرسة الغرير الابتدائية .. وهي مدرسة لغتها الرسمية الفرنسية مما اتاح له فهم هذه اللغة وتطويعها لعقليته الصغيرة .. انه سيكون ذا شأن في مضمار الفن المسرحي .. وعندما اكمل تعليمه ظهرت عليه بعض الملامح الساخرة .. ولكنه كان يسخر بخجل ايضا .. وعندما نال شهادة البكالوريا .. كان والده قد تدهورت تجارته فاكتفى بهذه الشهادة .. وبحث عن عمل يساعد به اسرته .. فقد كان مولعا بامه اشد الولع .. وتعلم منها الكثير .. فقد كانت هي الاخرى ساخرة مماتشاهده ابان تلك الفترة التي كانت تعج بالمتناقضات الاجتماعية .. وقد تفتحت عينا نجيب الريحاني على احداث عظيمة كانت تمر بها مصر. ففي عام 1905 شهد حادثة دنشواي التي كانت سببا في احداث تغيرات كبيرة في نفوس المصريين واسفرت هذه الحادثة عن مولد الزعيم المصري مصطفى كامل .. واعقبه محمد فريد .. والتهبت المشاعر المتأججة في نفوس شباب هذا الجيل وكان نجيب الريحاني ضمن شباب هذا الجيل .. وقامت الحرب العالمية الاولى عام 1914 .. وافرزت هذه الحرب بعض المستفيدين منها والذي اطلق عليهم بعد ذلك اغنياء الحرب .. ليس في مصر وحدها ولكن على امتداد شمال افريقيا وايضا الشرق الادنى .. كل ذلك اختزنه نجيب الريحاني بعين راصدة لكل المتغيرات التي طرأت على المجتمعات العربية عامة .. والمجتمع المصري خاصة. وكان نجيب الريحاني قد التحق بوظيفة كاتب حسابات بشركة السكر بنجع حمادي بالصعيد .. وهذه الشركة كانت ملكا خالصا للاقتصادي المصري «عبود باشا» الذي انشأ عدة شركات تعمل في كل المجالات .. على غرار شركات مصر التي انشأها زعيم الاقتصاد المصري في ذاك الوقت طلعت حرب .. ولكن هذه الوظيفة البسيطة والتي كان نجيب الريحاني يتقاضى منها راتبا شهريا ستة جنيهات .. وهو مبلغ لا بأس به في ذاك الوقت .. لم تشبع رغبته فاستقال منها وعاد الى القاهرة ليجد ان الامور قد تبدلت واصبح الحصول على عمل في حكم المستحيل .. واصبحت لغته الفرنسية التي يجيدها غير مطلوبة واصبحت لغة ثانية بعد ان استتب الامر للانجليز وسيطروا على كل مقدرات مصر .. وفي يوم قادته قدماه الى شارع عماد الدين الذي كان يعج آنذاك بالملاهي الليلية .. وتقابل مع صديق له كان يعشق التمثيل واسمه محمد سعيد وعرض عليه ان يكونا سويا فرقه مسرحية لتقديم الاسكتشات الخفيفة لجماهير الملاهي الليلية. وبما ان نجيب الريحاني كان في امس الحاجة لاي عمل .. فقد راقته الفكرة .. وفعلا بدآ يقدمان بعض الاسكتشات الضاحكة لمرتادي الملاهي من عرب ومصريين وايضا للانجليز .. ولكن هذه الاسكتشات لم تشبع نجيب الريحاني .. فعرض على محمد سعيد ان تكون هناك فرقة مسرحية على غرار فرقة جورج ابيض . .وفعلا تم لهما ذلك .. وبدآ يبحثان عن نص مسرحي .. وكانت اخبار ـ ريا وسكنية ـ في هذا الوقت تملأ الصحف بعد ان تم القبض عليهما .. فاقترح محمد سعيد على نجيب الريحاني ان يكتبا بنفسيهما مسرحية عن هاتين السفاحتين .. وراقت الفكرة لنجيب الريحاني وفعلا بدآ في الكتابة .. وبعد ان اصبح النص المسرحي جاهزا .. بحثا عن مخرج وباقي افراد الفرقة .. وتصادف ان التقيا بالمخرج الكبير .. عزيز عيد وعرضا عليه النص المسرحي واجرى عليه بعض التعديلات .. ولكن هناك عقبة وهي ايجاد ممثلتين تؤديان دوري ريا وسكينة .. وعثرا سويا على فتاتين لا مانع لديهما من التمثيل .. فقد كانت اي فتاة تعمل في التمثيل في ذاك الوقت كأنها ارتدت عن ديانتها وخرجت عن التقاليد والاعراف الاجتماعية .. ليس هذا بالنسبة للفتيات فقط .. ولكن بالنسبة للشبان والرجال ايضا .. حيث كان الممثل او الممثلة لا تؤخذ بشهادته في المحاكم او المقار الرسمية وكان يطلق عليه لقب «مشخصاتي». وفعلا تم تجهيز المسرحية واجرى عليها التدريبات ولعب نجيب الريحاني دور حسب الله .. وعرضت المسرحية .. وعندما ظهر على المسرح نجيب الريحاني وقال اول جملة سمع ضحكات الجمهور بصورة صارخة لم يكن يتوقعها .. فالمسرحية من النوع التراجيدي المأساوي . وكلما تكلم .. يضحك الجمهور حتى افسد المسرحية تماما .. وبعد اسدال الستارة .. قال نجيب الريحاني قولته المشهورة آنذاك سأبكيكم من الضحك ان شاء الله .. وانفصل عن محمد سعيد بعد ذلك واختلى بنفسه طويلا .. حتى هداه تفكيره الساخر لشخصية كشكش بيه وغني الحرب الق
نجيب الريحاني والكوميديا
نشر في: 2 إبريل, 2010: 05:27 م