احمد فاضلمن منا لا يعشق الضحك خاصة إذا كان الهم لاتمحوه إلا هذه الايماءات والايحاءات الصادرة من (كوميديا) عبقري كنجيب الريحاني.لم يكن أحد يتصور أو يتخيل ان هذا الطفل الانطوائي المولود عام 1891 من أم مصرية وأب عراقي موصلّي كلداني أسمه إلياس ريحانة يعمل بتجارة الخيل، حط رحاله في القاهرة ليتزوج من سيدة مصرية قبطية، سوف يكون له شأن كبير في عالم الفن.
حي باب الشعرية الشعبي في القاهرة إحتضن هذه العائلة الهادئة التي كانت تتطلع أن يمنحها الله طفلا يملأ عليهم حياتهم، فكان لهم ما أرادوا فها هو نجيب يقلب عليهم معادلة السكون التي تعودوا عليها، إلى صخب وصراخ سرعان ما لبث أن أصبح هدوءا مرة ثانية بسبب تخطي نجيب مرحلة الطفولة ودخوله مدرسة الفرير الابتدائية التي اجتازها بنجاح، إلا إن تلك المرحلة من حياته طبعته بطابع الانطوائية ألتي عانى منها حتى وفاته، وقد وصف الكاتب الكبير (يحيى حقي) سبب تلك الانعزالية والانطوائية التي كانت تميزه في تلك الفترة على انها نتيجة لشعوره بفارق مكتوم بينه وبين المصريين بسبب تربيته وعدم اختلاطه المبكر مع اقرانه من أبناء حارته.هذا الانطواء لم يمنع نفسه التواقة إلى المرح من المحاولة للخروج من هذا القمقم، فظهرت عليه بعض الملامح الساخرة الخجولة، وعند نيله شهادة البكالوريا احس بأن حالتهم المادية قد تدهورت بسبب كساد تجارة والده فاكتفى بهذه الشهادة وراح يبحث عن عمل يساعد به الاسرة فالتحق بوظيفة كاتب حسابات في البنك الزراعي وفي هذا البنك تعرف على (عزيز عيد) الموظف بالبنك نفسه والذي كان يقوم بالتمثيل في بعض المسارح ألموجودة آنذاك فأقنعه أن يعملا سوية، وبسبب عدم تفرغهما للعمل الحسابي في ذلك البنك فقد تم الاستغناء عنهما فعادا سوية إلى شارع محمد علي الصاخب والضاج بحركة المسارح والملاهي، فعملا على تقديم بعض العروض، إلا ان عيد سرعان ما عمل على تأسيس فرقة مسرحية بأسمه وقدم نجيب الريحاني إلى الجمهور ألمسرحي الذي اعجب به، إلا ان بعض مسرحيات عزيز عيد لم يحالفها الحظ ولم تعجب الجمهور فأعلن عيد غلق مسرحه، وهنا نشب خلاف كما ترويه السيدة فاطمة اليوسف صاحبة مجلة (روز اليوسف) الشهيرة، في مذكراتها قائلة: لم تنجح احدى الروايات التي قدمها عزيز عيد على المسرح.. ولم تستطع هذه الفرقة المجاهدة أن تقف في وجه (الكباريهات) والصالات أكثر من أسبوعين.. ثم أسدلت ستارها الاخير.. وتكاثر الناس حول عزيز عيد يحاولون إقناعه بأن يغير رأيه.. أن يتخلى ولو قليلا عن ُمثله الفنية.. ولكنه أبى، وكان أول من إنشق من (الشلة) نجيب الريحاني.. إذ تشاجر مع عزيز عيد.. وصاح فيه: إذا كنت لا تريد أن تعيش فإننا نريد أن نأكل) (1).بعد هذا الخلاف اتجه الريحاني لتأسيس فرقته المسرحية مع (بديع خيري) الموهبة الفنية الفذة والذي أصبح فيما بعد توأمه الفني، إذ استطاعا تقديم 33 عملا مسرحيا ما جعل منتج الافلام السينمائية يتجهون اليه لاقناعه من تقديم هذه الأعمال التي اشتهرت للسينما، وبعد فترة قصيرة إستجاب الريحاني لهذه العروض وكانت باكورة أعماله السينمائية فيلم (صاحب السعادة كشكش بك) عام 1931 والذي اخرجه مع إستيفان روستي، ما زاد في شهرته وأصبحت اعماله مثار جدل الصحف والمجلات آنذاك كمجلة (روز اليوسف) و(آخر ساعة) و(الاثنين والدنيا) وغيرها.هذا النجاح تزامن مع زواجه الأول من عضوة مسرحه (لوسي فرناند) الذي لم يعمر طويلا إذ سرعان ماتم الطلاق بينهما لأسباب نجهلها، فتركت لوسي فرقته المسرحية وعادت إلى المانيا دون أن تخلف له أبناء، لكن الذي حدث بعد سنوات هو ظهور (جينا) الفتاة الالمانية ألتي أدعت إنها إبنة الريحاني، وفي هذا المجال يذكر الدكتور (أحمد سخسوخ) الناقد المسرحي والعميد الاسبق لمعهد الفنون المسرحية بمصر بأن هذه الفتاة لا تمت بصلة له لأنه ببساطة لم يكن ينجب (2).بعد طلاقه من زوجته الاولى عاد الريحاني إلى وحدته المعتادة إلا انه حاول الخروج منها بالسفر فحزم حقائبه وكانت لبنان وجهته، فمكث فيها أياما وليالي، تعرف فيها إلى أشهر راقصات لبنان وهي (بديعة مصابني) فاعجب بها وأعُجبت به، فتم الزواج وعادا سوية إلى مصر لمتابعة الأعمال الفنية إلا ان غيرة النساء التي ليس لها حدود وبسببها تحطم ذلك ألعش الزوجي بالطلاق .عُرف عن نجيب ألريحاني إبتكاراته لشخوص مسرحية ظلت عالقة في أذهان الجمهور منها إبتكار شخصية وثيقة الأرتباط بالواقع ألمصري وهي الشخصية التي إشتهر بها فنيا كشكش بك ، عمدة كفر ألبلاص، المتلاف، الذي ينفق أمواله في اللهو، ثم دخل في منافسة فنية مع أشهر فنان مسرحي في ذلك ألوقت وهو (علي ألكسار) ثم قدم ( ألعشرة ألطيبة) لخالد ألذكر (سيد درويش) ثم (الليالي ألملاح) وغيرها من الأعمال الفنية التي شّدت الجمهور إليها وباتت حديث ألشارع صباح مساء .أما أفلامه السينمائية فتعد قليلة لكنها أصبحت من كلاسيكيات السينما العربية، وذات المضامين العالية والأحساس الشعبي الناقد ، وقد أثبت فيها الريحاني جدارة فنية عالية إستطاع من خلالها أن يؤسس لما يعرف بالكوميديا السوداء ، إضافة إلى خلق أعراف جديدة حاول الريحاني تطبيقها منها إلتزام ألممثل بالوقت وألحرص عليهوأنتقاء ألقصة ألواقعية التي تحاكي ما يشعر به رجل ألشارع، أما حكاية دموعه التي ذرفها عند تمثي
نجيب الريحاني.. الكوميدي الحزين
نشر في: 2 إبريل, 2010: 05:31 م