ترجمة/ عادل العامليمكنني القول إن واجب الناقد، في النصف الثاني من القرن العشرين، كان تعزيز المعايير الكلاسيكية ضد الزخرفة المتكلَّفة للموضة و نقل مثال حركة التنوير إلى المسافرين يومياً الذين كانوا يلقون نظرة سريعة إلى الصحيفة التي بأيديهم و هم في طريقهم إلى العمل و العودة منه. و لم يكن هنالك من افتتان بعملهم أكثر مما كان بعمل معلم مدرسة يقرع المعرفة في جماجم عنيدة، كما يقول الكاتب الناقد نورمان ليبريشت في مقاله هذا.
لكن ما بعد الكد الليلي، كان باستطاعة الناقد الصحيح في المكان و الزمان الصحيح أن يغيّر أمةً و حضارتها. و لقد أيقظ نيفيل كاردوس أستراليا الأربعينيات على إمكانيات الموسيقى السمفونية. و بيَّن بولين كيل لأميركا أن الفلم يستطيع أن يكون أكثر من تسلية نظرنجومية.و وضع مارسي رايك – رانيكي نموذجاً للأدب القصصي الألماني لما بعد الحرب. و أضاف ثلاثة استراليين ــ كليف جيمس، و جيرمين غرير، و روبرت هيوز ــ أبعاداً أو مقاييس لعدم التوقير.إن العصر يتغير. و من السهل التقليل من شأن نقّاد اليوم باعتبارهم لا يستحقون أحذية عمالقة، لكن تحديات القرن الحادي و العشرين ذات نظام مختلف عن أي شيء عرفته الفنون منذ أن أبطل غوتنبيرغ ريشة الكتابة. فالمطبوع، في تدهوره، يفقد سلطته الفطرية، إلى جنب التوقع بأن الكلمات المحرَّرة سيقرأوها أناس كثيرون بالشكل نفسه في الوقت نفسه تقريباً. و الفورية أو المباشَرة immediacy جوهر النقد في الصحيفة. فالقراءة على الإنترنيت لعرضٍ بائت، بعد شهر من نشره تُصبح باردة. و هي، خلافاً للثأر أو الانتقام، لا تحلو بالتأخير.و في عالم بلا حدود حيث يمكن لأي واحد أن يُبدي استجابةٍ لا اطّلاع فيها، يكون النقد المنطقي تحت التهديد و مبتذل القيمة. فالفنون هي أول ضحية للصحف المتقهقرة. و قد صرفت صحف أميركية كثيرة النقاد من العمل و ألغت أقسام الكتب. و الكثير من الصحف ذاتها التي كانت كبرى فيما مضى هي في حالة إفلاس أو تصفية الآن. ولأكثر سوءاً، أن المحررين يطالبون نقادهم بدرجةٍ من المرح. فالقراء، كما يقولون، لا يريدون أن يصحوا على كلامٍ فارغ، و المعلنون كذلك بالتأكيد. و هكذا، فكتّاب العروض النقدية الآن تحت طلبات بأن يكونوا أكثر تفاعلاً، و أكثر إيجابيةً، و أكثر ابتساماً. و هم مرغمون في الغالب على الكتابة عن مشاهير طواهم النسيان مفضلين ذلك على الكتابة عن موهبة طازجة. إن الصحف، في الركود العميق، تلعب آمنةً ــ فالنقد قنبلة يدوية حيّة، و ليس دبّوس أمان. و النقّاد، الفاقدون الثقة، يتجنبون المراهنات. هناك، بالطبع، نقّاد جيدون و سيئون ــ و قد استخدمتً و صرفتُ الاثنين. و هناك نساء ناقدات قليلات أيضاً، و الآن لماذا يحصل ذلك؟ لقد كان النقد دائماً عملاً داخلياً، يتم تنزيله من مستشار ناضج الخبرة إلى مَن هم بحاجة للرعاية و الإرشاد، بشكلٍ غير ودي إلى خارجيين. وقد راح، تحت الحصار، يقاوم التغيير ويتودد للهامشية. مع هذا، فإن تآكله، في الأوقات المتغيرة، يضر بثقافتنا. وقد صادفتُ قائد فرقة موسيقية شاب حوَّل أوركسترا إقليمية إلى محور تجديد، فأمسك بي في يأس، و هو يناشدني قائلاً " ما الذي عليَّ أن أفعل ليقوم أحدهم بكتابة نقدٍ عني؟ " كيف للرأي العام أن يعلم عن الأفكار الجديدة التي تومض بعيداً عن الدرب المطروق؟ هناك نقد جسور جيد يمكن أن نجده على مواقع الأنترنيت و المواقع الشخصية blogs ، لكنه ليس تواصلياً connective بالطريقة التي يمكن أن تكون عليها عروض الصحف. و قد تبنى بعض النقّاد، يقودهم أليكس روس من مجلة نيو يوركر، شخصاً انترنيتياً بنجاحٍ نسبي. ويقوم تيم بيج، الفائز بجائزة بوليتزر، بالتعليم في كاليفورنيا من دون أن يعرف أنه سيكون هناك أي مكان لخرّيجيه يكتبون فيه. و ما يُحتاج إليه، كما أدركت يوم مات الناقد أليكسندر ووكر، هو إعادة اختراع نقدٍ للقرن الحادي و العشرين ــ و من أجل هذا علينا تهيئة جيل يكون مرناً في التطبيق و ثابت المبدأ في الوقت نفسه.فناقد المستقبل ليس أكاديمياً يدعونه محرر الأنباء المحلية ليضع غباراً على مشهدٍ جديد، و لا هو كاتب عمود للتسلية يكتب عرضاً بعد مقابلة أحد النجوم.إن الأساسيات غير متغيرة. فالناقد يحتاج لأن يكون قابلاًً للتعلم و الاطلاع، و شجاعاً و سريعاً ذا بصيرة بإمكانية المقالة الرأسية الجيدة.لكن ما بعد الحاجات الضارية لوسيلة إعلامية ناشئة، لم يكن هناك أبداً من حاجة أعظم في مجتمع ديموقراطي إلى نقد مستقل قوي للفنون. فالمدن من دون نقّاد لن تنجز احتماليتها الابداعية الكامنة.و الفنون لا تزدهر إلا حين يكون هناك محكّمون في العمل و الحضارة تموت حين يكون صوتهم خامداً. و هذه لحظة حاسمة في الحوار بين الإبداع والتلقّي، الفنون و المجتمع. و هناك فرصة كبيرة تومىء إلى النقاد الشباب الذين يمكنهم أن يلبّوا ذلك المطلب ــ و إلى بعضنا الأكبر سناً لتعليمهم الشروط و القواعد الخاصة بذلك.rn عن / The Age
دور الناقد الفنّي فـي القرن الـ21
نشر في: 2 إبريل, 2010: 06:28 م