محمود النمرربما تكون هالة الشعر هي عثرات ضوء في الافق، لايصادفها إلا ّ الشاعر الذي ينفصل تماما عن واقعه وليس ذلك عزوفا بل هي تجليات جمالية فيها تأثيرات تحكم ملكة الشاعر الى الانفصال من واقع ملموس الى واقع غير ملموس ،ولكنه بالغ الحساسية المفرطة ،فهي التي تمنحه الانزياحات الى الرؤى التي لايراها غيره ،
ولو تمعنا في شيء من التأمل في ديوان الشاعر عدنان علي لوجدناه يعبر الى تلك المسافات الضوئية وهو يمشي حالما" بمملكة العشب" التي يقول فيها /نزحت مملكة العشب المضيئة / والربيع الناعم الملمس / مات / آه ياوشم الطفولة /من يقينا اللحظات ؟.وأنا أحاول ان أسترسل في قراءتي أجد عدنان علي مولعا بالشك ويجمع الضد الآخر ولا يفسر على هواه بل هو يقرأ ما تمليه عليه الساعة في الحدث ان صح التعبير في خارطة الشعر /صحوت ثقيلا / رسمت طيورا تنهشني /تتلذذ لحمي / ترمي فوقي ظلالا من شوك /وخناجر ظامئة /في الجب رماني / في حضرة من يقرأ إنجيل التوبة /حاصرني /حراس الجنة والنار .يقول الفيلسوف الالماني- كانت – "قد يتعذر علي ّ قول أشياء أؤمن بصحتها ،لكن يستحيل ان اكتب مالا اعتقد بصحته " عدنان علي شاعر من هذا الطراز ،تملي عليه إيماناته وتصطخب فيه حد النخاع ،كأنه يعبر البحر ولا يتوانى ان يستسلم لغير مايراه ويؤمن به لذلك هو مسلح ضد الانكفاء وضد الاستسلام لايرى الا ما يصبو اليه ويترك ما تبقى للآخرين دون ان يلتفت الى الوراء / أرش على كتفيه العطر / وعلى مسمعه الآيات / نتوغل في طرقات الناس / بين الجثث المقطوعة /ورتاج الانفاس /نختار الحانة / نشعل شمعتنا / ونهمس بالسر / ليوم آت .ويؤكد ذلك مرة اخرى على ولاءات مايعتقد به ويجعل أماسيه مروجاً من ظلال ،ولا يترك عينه تنام الا على حكمة ،ربما تكون تلك الحكمة موروثة او هو يختلسها من الطبيعة ويدحض الخوف بالخوف والتردد / رجل معطفه الليل /ياقته النجم / أماسيه الفضة / ومروج ظلال / يحاذر ان يفهم ما في الصوت / ألوان الكلمات / والحروف النحيلة /يحاذر ان يلمس رائحة الورد / معرفتي / ويأخذني بالحكمة . المبدع الذي يضع نصب عينيه، تجارب الآخرين ويخلط رؤياه في تلك الرؤى ليجعل منها إيقونة عالية في الابداع الفني والجمالي ،هو دائما لايتعثر ويبدو اكثر دهشة من الذين سبقوه لأنه ينصهر ويتفاعل في عدة ثقافات من باب الفهم والوعي الجمعي ليصبها في عالمه ،فهو يأخذ من عالم –كازانتازاكي – مقطوعة فيها دلالات انسانية تسند صفة الذات في الوجود " من يبحث عني يجدني ، ومن يجدني يعرفني ، ومن يعرفني أعرفه ، ومن أعرفه يحبني ،ومن يحبني أحبه ،ومن أحبه أفنيه" .وكذلك للناقد عادل كامل إضاءة نقدية حول مجموعة الشاعر عدنان علي –اختلاس الزمن – يقول عنها ان قصائدها لو حورت لن تجاور صوت حكماء بابل بعد حكماء سومر منذ أيوب (المعاقب بلا ذنب )عدا الذنب الذي سيشكل قهرا لعوامل القهر وانتظارا يتم عبره تلاقي (اوهام ) الغياب والحضور .في قصيدة - تأمل الخراب – يبدو الشاعر منخذلا تتعطل عنده الاشياء التي تحفز سمة الحياة حتى في الحلم ، فالرغبات تبدو أيضا منخذلة ،الشمعة الذبلى وسيفه الخشبي وهي عالم –السينوغرافيا – التي تشكل هيكيلية المكان وتؤثيثه / لن يبكي رمل فواجعه /او يباس ظلاله / اذ تعلم يوما /وايقن كذبا / ان الصبر سيوف من خشب / والشمعة الذبلى/ كأي حصاة /ماذا لو عطل حلم يديه /ولجاجة خاتمهِ؟/ماذا لو ايقن كذبا / ان الرغبات / خاوية مثل القوة ؟ إن هذه المجموعة تلوذ بما هو متغير،لتصل الى رغبة اليقين متسلحة بالشك، وهو إدراك يطرح أسئلة في فضاءات تتشكل امام كل باب مغلق، يطرق الشاعر عليها ليرى ماذا وراء تلك الابواب التي تكشف الحلم الذي يبحث عنه الشاعر منذ الازل . لماذا يصهل فنجان القهوة / ويدب ُغبار ٌمبحوح / بين يديك / وكأسي ..؟ تلك هي الاسئلة التي توسع فضاءات الشك.
اختلاس الزمن في قبضة الشاعر عدنان علي..أسئلة تتسع بفضاءات الشك
نشر في: 3 إبريل, 2010: 06:12 م