لطفية الدليميلو سألت عن اتحادات للأدباء والكتاب في فرنسا أو بريطانيا أوسويسرا أو أميركا أو اليابان لواجهت استغرابا ودهشة /:ولماذا اتحادات للادب ؟؟، فالأدب ليس عملا نقابيا في هذه البلدان، ليدرج في خانة اتحاد أو نقابة، شأنه شأن نقابات الخدمات ،
إنما هو عمل فردي ونشاط شخصي جدا فضاؤه المخيلة وشرطه الحرية والتحليق خارج الأقفاص والحدود والتجمعات ليكون بوسعه قول مايشاء ساعة يشاء ..يتوهم البعض أن الانتماء لهذه التشكلات يمنحهم شرعية الاعتراف بهم كتابا وشعراء، إذ يدونون في سيرهم الذاتية -قبل ذكر أعمالهم- أنهم أعضاء الاتحاد الفلاني والاتحاد العربي الفلاني والنقابة الفلانية ويلغون كونهم كتابا مستقلين بتشبثهم العلني بالاتحادات العتيدة وليس اعتمادا على نتاجهم.. ويعود هذا إلى الخوف من مواجهة العالم دون سند من عشيرة أو طائفة، واتحادات الأدباء بديل عشيرة يحتمي بها المتوهمون من مواجهة الحشد المعادي او السلطة أيما كان نوعها ومستواها ..لقد تأسس أول اتحاد للأدباء على حد علمي في الاتحاد السوفييتي سنة 1934 كواجهة أدبية للحزب الشيوعي لحصر الكتابات في خانة دعم الدولة الاشتراكية وسياسات الحزب، وتشير مقالة لينين ( تنظيم الحزب وأدبه ) التي نشرها 1905 إلى ما حصل لاحقا إذ يقول: «لنتخلص من رجالات الأدب غير الحزبيين، لنتخلص من هواة الأدب المثاليين، على قضية الأدب أن تصبح جزءًا من القضية العامة للبروليتاريا، وجهازا صغيرًا من الآلة الاشتراكية الديمقراطية الموحدة.....) وسارت الدول الاشتراكية على النهج التنظيمي ذاته وانبثقت فيها اتحادات للكتاب لتحدد حرية الإبداع وتوجه مسارات الأدب حسب متطلبات سياسات الحزب، ولم تقم تلك الاتحادات بحماية أعضائها حين تعرضهم للخطر بل كانت هي من دان الكتاب بتهم معاداة الاشتراكية فقد قام اتحاد الكتاب السوفييت بعد فوز (بوريس باسترناك ) بجائزة نوبل عن روايته ( دكتور زيفاغو) بفصل الكاتب من الاتحاد بإجماع اتحادات الكتاب السوفييت في 28 تشرين الاول/ اكتوبر 1958 واعتبروه خائنا ومنشقا لأنه عبر بصدق وحساسية إبداعية عالية عن الهم الإنساني، كما فصل الاتحاد قبله الشاعرة الكبيرة آنا أخماتوفا سنة 1946 لأسباب مماثلة وأتلفوا ديوانها وهو في المطبعة، ومارس الاتحاد بهذا دورا رقابيا سياسيا رديفا لدور الامن والمخابرات بتواطئه مع السلطة ضد حرية التعبير..إثر نشوء حركات التحرر والانقلابات في آسيا وأفريقيا خلال القرن الماضي وما تلاها من نسخ ركيك للنهج الاشتراكي في بعض البلدان، ظهرت اتحادات للكتاب والأدباء في عدد من الدول العربية والأفريقية والآسيوية وجرى نوع من التنسيق والتعاون فيما بينها وبين اتحاد الكتاب السوفييت للاستفادة من الخبرات التنظيمية ثم جيّرت النظم الشمولية اللاحقة - هذه التشكلات الأدبية لصالح سياساتها. ما أريد قوله إن اتحادات الكتاب في دول العالم الثالث إنما هي بقايا متعظية لتقليد تنظيمي كان سائدا في دول المنظومة الاشتراكية له هدف سياسي لدمج الادب بالنظام وتحويله الى برغي مهني ونقابي في ماكنة السلطة ، ولايزال البعض من الكتاب يتوهم بجدواها وضرورتها متغافلين عن حقيقة كونها تنظيمات تمثل في معظم الحالات -وليس جميعها- توجهات النظم أو النزعات السياسية التي يعتنقها قادة الاتحادات وغالبا ما تصدر عنهم بيانات ذات طبيعة سياسية محضة لرفض مشاركة اتحاد أو رابطة في مؤتمر او سواه ويحتج المرفوض بردود لا تخرج عن كونها مسوغات مسيسة ايضا وكأن خروجه من المنظمة أو الاتحاد خروج من جنة الله الموعودة وحرمان من كراماتها، فالرافض والمرفوض يقفان على نفس المسافة القصية من موضوعة الأدب كفعل حر يقع خارج المزايدات النفعية. فمتى يصبح الشأن الأدبي والابداعي والفكري بمنأى عن التداول السياسي والمحاصصات في هذه المنظمات؟ ومتى يدرك المنشغلون بالاتحادات الأدبية أن الأطر تناقض حرية المبدع وتتواطأ ضدها ؟؟ وأن أدباء العالم يحيون أحرارا كالريح وبفعل حريتهم وعدم ارتباطهم بحزب او نقابة او منظمة يؤثرون في اتجاهات الرأي وحراك المجتمع؟؟ لابأس أن تكون هناك منتديات تقدم فيها أماسٍ وندوات فكرية وادبية ، لا أن تتحول الى مؤسسات لإحياء المناسبات و ممارسة التنافس السياسي. الأدب أولا وأخيرا ليس بحاجة إلى عرابين رسميين يحددون مساحة القفص للطائر المحلق أو يضعون الشروط لتغريده أو حركة جناحيه في فضاء المخيلة الإبداعية.
قناديل: الأدباء.. الطائر والقفص والاتحادات العتيدة
نشر في: 3 إبريل, 2010: 06:13 م