TOP

جريدة المدى > ملحق ذاكرة عراقية > من تراث الثلاثينيات

من تراث الثلاثينيات

نشر في: 4 إبريل, 2010: 04:26 م

لقد صدرت في بغداد مجلات كثيرة ، منها الادبية والسياسية والفكاهية والمتزمتة، وطال عمر بعضها وقصر عمر الاخريات، وفي عام 1936 طالعتنا مجلة (الصبح) ، ثم الغي امتيازها لنشرها قصيدة عن فلسطين للشاعر ابراهيم ادهم الزهاوي: حرض على الثورة الكبرى فما رحل من كان في قلبه من خصمه وجل مسلمين ملوك ولا حراك ببهم                 كأنهم من صخور الارض  قد جعلوا 
وعاصرتها، وربما عاشت بعدها مجلة (العصر الحديث) ولكنها لم تعمر طويلا ، وكانت مجلة ثقافية اتسمت بالجفاف، اذن لقد خلت الديار من مجلة مرموقة ، فتطلع الناس يمنة ويسرة الى ظهور مجلة ثقافية عامة، فلم يخيب القدر ظنهم، اذ صدرت مجلة (المجلة) ولكن في الموصل، تلك المجلة التي لم تعش على الاطلاق. فكرة المجلة: كان الاستاذان عبد الحق فاضل ويوسف الحاج الياس متلازمين طوال سنوات الطلب في بغداد، لايكاد احدهما يفارق الاخر، ولا يكاد يفارقهما الاستاذ ابراهيم وصفي رفيق، وقد سألت الاستاذ يوسف عن وجود نية مسبقة لاصدار مجلة (المجلة) فنفى وجود اية نية لان عبد الحق دخل السلك الخارجي، ويوسف اصبح محاميا في الموصل.. يوسف يريد ان يكون محاميا ناجحا، وعبد الحق يعتبر (المحاماة ضميرا للايجار). اما ص2احبهما الاستاذ ابراهيم فقد غادر الى باريس لنيل الدكتوراه في القانون على نفقة وزارة المعارف. كيف ولدت المجلة؟ في منتصف كانون الثاني عام 1938 باشرت وكيل معلم في مدرسة اربيل الثانية، واذكر ان رسالة وردتني من عبد الحق في اذار واحزنتني كثيرا، اذ اخبرني عبد الحق باضطراره للتوجه الى الموصل بعد غياب دام ثمانية اعوام حسوما. وما كان يقلق عبد الحق، هو بيتنا فان ربه المعروف بكونه وليا من اولياء الله خارجه غير معروف بأنه مضطهدنا داخله، اذ لايدع شيئا دون ان يعترض عليه او يتعرض له، وهو لايتورع عن التحرش واستعمال أي سلاح ضدنا، من عصا وخشبة ملتهبة وما هو اسوأ ، كل شيء كفر. والجدل ممنوع لقد قرأ الغزالي فحرم كل المحلات مع العلم انه القائل: وانا بعصر عنده الفكر مطلق، بل هو لايتورع عن طرد احد اولاده اذا خالفه، فقد لحق بي خارج الدار مهددا ومنذرا بالويل والثبور لانني خرجت حاسر الرأس هاجرا السدارة، وطردني من البيت لانني تحاملت على عزرائيل (عليه السلام) على حد قوله ، فما ان وصل عبد الحق الى خربتنا  حتى كوفح منذ الملعقة الاولى، وسنرى الوالد يؤلف جبهة ضد (المجلة). مارس عبد الحق المحاماة قليلا ..توكل في دعاوى محدودة.. ثم ترك المحاماة الى غير رجعة، حينئذ فقط فكر في اصدار مجلة ادبية، واعتقد ان يوسف عارض الفكرة نظرا لعبادته للمحاماة وخشيته من القلائل والفتن، وكثيرا ما كان يردد –بعد صدور المجلة: (اني محامي هو مجلجي) ولكن عبد الحق اصر، فحصلا على امتياز مجلة (المجلة). وكان يشق علي مغادرة مكتب المحاماة (ادارة المجلة) لأنني كنت اتلقف اشياء اتعلمها من يوسف وعبد الحق ومراجعيهما ، اذ كنت في عهد جاهليتي ولعلي ما ازال وظلت اترقب صدور العدد الاول الذي تباطأ صدره، وكنت منقولا الى ناحية (الكوير) على الزاب الكبير، فتغيبت عشرة ايام بعد افتتاح المدارس، بانتظار صدور المجلة ، فاستقطع من رويتبي البالغ ستة دنانير، ولكنني عدت الى الموصل في فرار اخر تاركا المدرسة تنعي من بناها، وذلك شوقا الى اهل المجلة، فاعتكفت خمسة ايام في ادارة المجلة، فهددتني وزارة المعارف واخرت تثبيتي، ولا ادري لماذا لم تفصلني. rnمن افتتاحية المجلة: صديقنا القرائ: هذا هو العدد الاول من المجلة نزجيه اليك في مودة، فان كان يعوزها في نظرك شيء فليس الاخلاص، مع ان الاخلاص لم يكن في هذا البلد عاملا من عوامل النجاح، فنرجو ان نقاوم بمؤازرتك ونداوم. ليس مما يدعو الى الغبطة والرضا الا يكون اليوم للعراق ادب له كيانه وخصائصه، مجلتنا هذه مجلتك احد سواك، فهي قوية بنفسها لايتعتمد على شخصية، وغنية بعفتها لا تستمد معونة من متفضل، وهي ابية لا تريد ان تكون ولن تكون عالمة على احد ولا خادمة لاغراض احد، فان استطاعت ان تعيش هكذا فلتعش، والا فخير لها ولاصدقائها ان تموت. ورجاؤنا الاخير الا يكون من عيوب هذه المجلة. عند القراء انها تصدر في العراق. (عبد الحق فاضل) قوبل العدد الاول من المجلة بالرضا والارتياح، وكتب رفائيل بطي للمجلة مشجعا ومشفقا، وهلل لها ذنون ايوب وكبر ، وانهالت الرسائل معربة عن استعداد اصحابها للمساهمة، ولكن عبد الحق اتبع خطة عدم استكتتاب احد لئلا يرغم على النشر-وحسنا فعل. عبد الحق فاضل اديب غير متعجل فلقد كتب قصة (مجنونان) عدة مرات وتركها سنوات، ولديه ديوان شعر حي جاهز للطبع، وعنده اقاصيص ومقالات وتعليقات وتراجم، وعنوان المجلة بخطه، وهو رسام كذلك، لذلك لا اجازف اذا قلت بأنه لو شاء لملأ اعداد المجلة بنفسه، والمتصفح للعدد الاول من المجلة يرى انه قام على اقلام خمسة اشخاص فقط: 1-عبد الحق فاضل: الافتتاحية ، نهر الجنون الموسيقي ، التفكير الواضح مع المتنبي. 2-يوسف الحاج يوسف: الحلقة المهملة، اوروبا الخفية. 3-جورج حبيب: على هامش الفلسفة ، العصفورة المقدسة. 4-سعيد الديوه جي:مدينة الموصل. 5-اكرم فاضل: جهاد فلسطين، نجمة المساء. اما التعقيبات فكانت من صنع عبد الحق ويوسف حصرا، ولكن عقبة الرقابة؟ لقد استطاع يوسف تذليلها بفضل صداقته للرقيب  الكر

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

د. عبدالخالق حسين لو لم يتم اغتيال ثورة 14 تموز في الانقلاب الدموي يوم 8 شباط 1963، ولو سمح لها بمواصلة مسيرتها في تنفيذ برنامجها الإصلاحي في التنمية البشرية والاقتصادية، والسياسية والثقافية والعدالة الاجتماعية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram