ترجمة /مدحت الجادر كتبت جانيت هوكارث عن زميلة لها في احدى كليات اوكسفورد تقول: "كانت تلقي نفسها بطاقة لا تكل في كل جانب من حياة الكلية، فهي تسبح وتجذف وتلعب التنس والهوكي وتمثل وترقص وتشارك في المناظرات وتتبع الادب الحديث، وتحكي لنا الاقاصيص عن الكتاب المعاصرين ، اصدقاء طفولتها ومع هذا كله ، كانت تنفق سبع ساعات في العمل الدؤوب ظفرت منه بعد سنتين بدرجة امتياز في التاريخ الحديث".
لم تكن تلك المرأة سوى غيرترود بل ، التي قدر لها، وللورنس ان يكونا المع شخصين في الشرق الادنى في اثناء الحرب العالمية الاولى، وبعدها كانت وقتئذ لما تتجاوز العشرين من عمرها، عطشى للمعرفة تواقة للمغامرة، فعرض عليها التجوال والسفر، ومن المفارقات في حياة هذه المرأة ان السجايا التي جعلتها محبوبة بين المشارقة الذين عاشرتهم هي نفسها التي اكسبتها في انكلترا سمعة الصرامة الفظة!زارت الشرق في عام 1892 وهي في سن الرابعة والعشرين فاصبح منذ ذلك الحين هوى يملآ شغاف قلبها، وسحراً يجتذبها وقد اكبت على دراسة بعض لغاته من قبل ان تذهب اليه. وفي اثناء اقامتها فيه، اكبت على دراسة الالمانية والايطالية خلال جولاتها الاوروبية. ولما بلغت الثالثة والاربعين ، كانت تضع الخطط لبعثة تقطع صحراء النفوذ الكبرى في قلب الجزيرة العربية حتى مدينة حائل، في طريق لم يرسم على الخرائط ولم يسلكه احد من قبل كانت هناك تكهنات لا حصر لها حول موقع جنة عدن، بيد ان كثيراً من الثقات يعتقدون انها في الجزيرة العربية، ويذهب بعضهم الى ان موقعها عند شط العرب، بينما يذهب الاخرون الى انها في اماكن مختلفة من الجزيرة العربية، وفي وسط هذه الارض المنعزلة، المجهولة، الغريبة التي لا يألفها سوى البدو الرحل ، قررت غيرترود بل ان تلقي بنفسها في هذه المرة، لعلها تعثر على اثار لهذه الجنة المفقودة. وتناست الى حين التاريخ وعلم الاثار ، وهي تصغي الى بائع الجمال وكان من رأي خادمها الامين انها تحتاج الى سبعة عشر جملاً بمعدل ثلاثة عشر باوناً لكل منها، ولكن البائع استبعد امكان الحصول على مثل هذا العدد، وبين ان اتعس جمل يمكن ان يباع بسهولة الى ذلك التاجر اليوناني البخيل الشديد المساومة بمبلغ ستة عشر باوناً. وكانت غيرترود تصغي بوجه جامد لا ينم عن شيء، ثم نهضت على قدميها وهي تقول بلغته: -من لطف الله ايها التاجر ان هناك اخرين يبيعون الجمال في دمشق. وراح التاجر يبدي امارات الاسف الصادق، وهو يقر بعجزه عن تلبية طلباتها فدست غيرترود يديها في قفازيها، وهي تبدو غير مبالية بايضاحاته ولا استنكاراته وقالت وهي تغادر المربط: -ربما قد احصل على العدد المطلوب بمساعدة صديقي هذا، فاردف خادمها سائلاً وهو يجري في اثر سيدته: -والسعر؟ -إنه كما قلت...إسمعي ايتها السيدة...لك بخمسة عشر باوناً.قال ذلك وجعل يفرك يديه بلطف. فأجابت غيرترود. -اني مقيمة في هذه الانحاء، ولست زائرة غنية.-خمسة عشر باوناً...ولجمال لم ترِ مثلها من قبل. قال الخادم الامين: -إني أخشى بقدر هذا السعر ان تبيع لسيدتي عجماوات مترهلة مشؤومة... -اقسم بروح النبي.. -لاتقسم بغير روحك يا بائع العجماوات. ورأى التاجر غيرترود تنصرف فتختفي وسط الزحام، فصاح بمن حوله: اليكم عني... ثم وثب في اثرها وهو يصيح: -سيدتي ..باربعة عشر باوناً.. ووافقت غيرترود اخيراً على الشراء بسعر يزيد قليلاً على ثلاثة عشر باوناً ثم مضت لتساوم على شراء سائر الحاجات، على هذا المنوال، اذ كانت تحتاج الى عدد كبير من الهدايا لتقدمها الى شيوخ القبائل الرحالة الذين سوف تصادفهم ثم عادت مع خادمها لتنتقي الجمال المشتراة، وكانت هذه عملية طويلة اخرى، لأن غيرترود تنتقي افضل الجمال، في حين ان التي عرضها التاجر كانت –في رأي خادمها – لاتستطيع ان تحمل حبة حنطة الى اقرب مكان! وتتابعت الايام وغيرترود لما تشرع في الرحلة، ذلك ان تجهيز مثل هذه البعثة ليس بالامر اليسير، لاسيما اذا كان كل شيء تشتريه ينبغي ان تساوم عليه بكثير من المهارة والثرثرة ، ومع ذلك فان الامور الاخرى كانت تسير على ما يرام ، فالقبائل التي كانت تحترب منذ اجيال قد جنحت للسلم بغتة وموافقات الشيوخ التي طال انتظارها قد وصلت، والصحراء العطشى قد أنصب عليها المطر مؤخرا فلا خوف من قلة الماء في الاشهر القليلة المقبلة. ولم تكن اقل فوزا الطريقة الدبلوماسية التي حصلت بها على (الرفاق) من اغلب العشائر التي كانت ستمر في ديارها ، وهذا عرف قديم سائد في المنطقة، فالقافلة يجب ان تصطحب رجالاً من مختلف العشائر، ليتكلموا عنها ويتوسطوا لها عند عشائرهم ، وبدون هؤلاء تجد القبائل التي تحترف الغزو نفسها في حل من حماية القافلة، او عدم التعرض لها، وحتى بعد ان تبدأ الرحلة ، قد تجد القافلة حاجة الى المزيد من هؤلاء الرفاق حسب الظروف والطريق الذي تسلكه والشيوخ هم الذين يتخيرون هؤلاء الرفاق، من بين افضل الرجال وقد يقدمون لهذا الغرض ابناءهم وذوي قرباهم ، اما اذا رفض الشيخ تقديم الرفيق فهذا امارة على انه يبيت الهجوم على القافلة. وسقط الخادم طريح الملاريا حتى اذا شفي منها انشب فيه التايفوئيد اظفاره، ولقد سبق له ان ارتحل مع سيدته الى الصحراء ، فاثبت انه مساعد أمين، ذكي ، نشيط لايمكن الاستغناء عنه، وكانت غيرترود تدرك ذلك، الا انها في الوقت نفسه ، لم تستطع تحمل المزي
غيرترود بيل تبحث عن جنة عدن
نشر في: 4 إبريل, 2010: 04:29 م