"تعسا لهم من قوم لا يقوون على الصراخ من شدة الألم" ، هذه العبارة وردت على لسان بطل مسرحية لمؤلف عراقي، والكاتب كان يخشى أن يحذفها الرقيب لكنها مرت من دون اعتراض أو تأشير بالقلم الماجك الأحمر ، لأن الاحداث خيالية وزمنها قديم جدا يعود إلى العصور المظلمة. في يوم العرض أبدى مسؤول تقمص دور الرقيب أو رجل الأمن اعتراضه على هذه الجملة وأمر من كان يجلس بجواره بإخبار المخرج بحذف هذه الجملة :" لأننا لا نريد أن نوحي لأبناء شعبنا بأن العراق أصبح بيئة مناسبة للظلم والجور وتكفينا تهديدات القوى الاستعمارية والصهيونية بتدمير العراق ".
مخرج المسرحية أذعن للأمر وأبدى استعداده لحذف المشهد بأكمله ، فاعترض المؤلف على موقف المخرج الانهزامي ، وكادت تحصل مشادة بين الطرفين حسمت بتدخل أطراف بذلت مساعيها الحميدة ، فاقتنع المؤلف بأن يكون حوار البطل بالشكل التالي " تعسا له من رجل لا يقوى على الصراخ من شدة الألم" ، فتنازل المؤلف عن قناعاته ومكابرته عندما قال لكادر العمل ان فكرة المسرحية ضاعت بتغيير كلمة واحدة وردت في النص كانت تدعو إلى إشعال فتيل الثورة ، ولكن هذا الادعاء لم يجد أذنا صاغية من قبل الآخرين لأن المسرحية خضعت للتعديل والحذف والشطب والإضافة بموافقة المؤلف .
بعد تلك الواقعة روج المؤلف لموقفه الرافض لسلطة المسؤول الرقيب ، وخلال أحاديثه مع الزملاء والمعارف في احد النوادي ذكر انه اجبر على حذف الحوار المهم فارتكب جريمة بحق منجزه الإبداعي ، ولذلك أعلن رفضه التعامل مع أي مخرج يتسلم الأوامر من المسؤولين ، ويتجاهل فعل الكلمة وتأثيرها في الجمهور المتعطش لاستقبال فكرة الاحتجاج والاعتراض تمهيدا لإشعال فتيل الثورة ، والقضاء على الاستبداد ، وما أن انتهى المؤلف من قول الكلمة الأخيرة حتى وجد من يحدثهم يبحثون عن طاولة أخرى، فتركوه وحيدا فريدا، لأنه تجاوز الخطوط الحمر بالحديث عن الثورة وفتيلها، وأحدهم نصحه بالذهاب إلى دورة المياه قبل أن يسمعه رقيب النادي المتخصص باصطياد هفوات الرواد ، فيتعرض المؤلف لعواقب وخيمة وهو لا يحتمل "الطبطبة" من قبل رجال الأمن .
استجاب المؤلف لنصائح الزملاء والأصدقاء فابتعد عن الحديث بقضايا الثورة وفتيلها واقتصر كلامه على حالة استسلام الرعية للحاكم المستبد ، وحدد معارفه لحديثه مطلع القرن العشرين ، وفي حال رغبته في تجاوز تلك الفترة الزمنية عليه أن يحصل على موافقتهم ، وبهذا الأسلوب وبتعاون الآخرين استطاع التخلص من مخاوف الحديث عن الانتفاضات الشعبية وحركات التحرر وثورات الجياع ، فأصبح واحدا من أفراد الرعية المستسلمين للسلطة يجيد السير بجانب الحائط ، ويحرص على حبس أنفاسه خشية أن تفسر من قبل الحيطان بأنها دعوة لإشعال فتيل الثورة ، وهو يعلم أن الرعية لن تنهض من سباتها الطويل وليس بإمكانها تحقيق إرادتها باستخدام "الفتيلة"(الشليلة) "في خياطة اللحف استعداداً لاستقبال فصل الشتاء.
"فتيلة "الثورة
[post-views]
نشر في: 7 نوفمبر, 2012: 08:00 م