المدى الثقافي عن "المؤسسة العربية للدراسات والنشر- بيروت/عمان" صدر حديثا كتاب "قتل الملاك في بابل" وفيه يستعيد الشاعر والصحافي العراقي علي عبد الأمير شقيقه الكاتب والمفكر قاسم عبد الأمير عجام الذي اغتيل في ايار (مايو) 2004 وبعد اسبوعين من عمله مديرا لـ"دائرة الشؤون الثقافية" التي تعتبر ابرز اوجه الثقافة العراقية.
ويصف عبد الأمير كتابه بانه " كتاب ثناء على سيرة عطرة وشخصية تحتذى ، ليس لأن صاحبها هو اخي وحسب ، بل لانها سيرة نقاء وسط اجواء آسنة ، سيرة محبة وسط اجواء متدفقة من الكراهية ، سيرة عطاء ونكران للذات في زمن شيوع قيم الانانية، سيرة حرية رغم جدران العبودية ،سيرة علم ومعرفة ، سيرة بناء في وقت منذور بالكامل للهدم، سيرة صبر ومجالدة ، سيرة من ظل ينتمي لافق فكري فسيح رغم عزلته المكانية والزمنية القسرية، سيرة من اجتمع الناس، وهم المتفرقون والمختلفون حد البلبلة، على محبته ونقائه وعفة لسانه ويده ، سيرة شخصية تكاد تختصر في نهايتها سيرة العراق في سعيه الى حريته.وهو كتاب غضب واحتجاج على كل مؤسسة ونظام ومجموعة عملت وخططت وسعت ونفذت مشروع اغتيال العراق الحر الآمن عبر قتل عقله وضميره وفكره وحراس روحه، عبر اغتيال المفكرين والكتاب والصحافيين والعلماء والمهندسين والأطباء في حملة دونها كل أوصاف الظلام والهمجية، مثلما هو كتاب غضب على كل جهة مسؤولة في العراق ممن قصّرت وتوانت وغضت النظر لا عن قتلة قاسم وحسب ، بل عن عدم وقفها او عملها على وقف دولاب موت وقتل وحشي ما انفك يدور ويدور على مفكرين وعلماء وأدباء وأصحاب ضمير، حتى قارب ضحاياه الألف منذ العام 2003".الكتاب الذي يقع في 465 صفحة من القطع الكبير تضمن في فصله الاول ما يشبه السيرة الشخصية للراحل كان قد كتبها في استعادة شخصيات قريبة له فكريا وانسانيا.وفي الفصل الثاني نتعرف على جوانب من النتاج النقدي والفكري لقاسم عبد الأمير عجام عبر مقالات تظهر شيئا من تنوع معرفي ثر كان درج عليه الراحل وبرز فيه،وضمن ما بات يعرف اليوم "النقد الثقافي".بينما كان نشاطه ناقدا أدبيا محور الفصل الثالث، على ان شيئا من حصيلته في "النقد السينمائي" كان محورا للفصل الرابع، فيما كانت هناك مختارات من عمله ناقدا للنتاج التلفزيوني ضمن الفصل الخامس.وفي الفصل السادس نتعرف على شهادات ورثاءات واستذكارات استحضرت الراحل وتوقفت عند اثاره الفكرية والعلمية والانسانية ، فيما الفصل السابع خصصه علي عبد الامير لما كتبه شخصيا عن شقيقه الراحل وتأثيراته اكانت مباشرة ام غير مباشرة، فضلا عن رسائل من قاسم اليه اثناء وجوده خارج العراق ، وفيه ايضا ثلاثة مقالات، الاولى عن حيدر ابن قاسم الذي خرج من مجزرة اغتيال ابيه بجروح دامية في الجسد والروح سترافقه الى آخر العمر، وثانية للراحل المهندس باسل نادر الذي اغتيل مع الكاتب، ومقال عن قاسم الصغير: ابن ربيع ابن قاسم الذي آثر ان يبقي اسم ابيه حيا في البيت والأرجاء مثلما هو حي وحاضر في الروح والعقل والإرث الفكري العراقي المعاصر.هذا الكتاب "الإستذكاري" سيواصله لاحقا الشاعر والصحافي علي عبد الامير في مجموعة من الكتب توثق "الاعمال الكاملة" لشقيقه الراحل قاسم عبد الأميرعجام. المولود في محافظة بابل - قضاء المسيب -عام 1945 و أكمل دراسته الاكاديمية في الهندسة الزراعية حاصلاً على درجة الماجستير بتخصص " مايكرو بولوجيا التربة " عام 1975 ،بيد أن تخصصه العلمي لم يمنعه من الانخراط في الهم الثقافي العراقي بدءا من عقد الستينيات.وعرف ببراعته في النقد التلفزيوني و السينمائي حتى أن كتاباته في صحف و مجلات ،" طريق الشعب " و " الثقافة الجديدة " و " الثقافة " لصلاح خالص ،عدت و كأنها معيار لجودة الاعمال او رداءتها. كما كتب عجام في نقد القصة و الرواية في محاولة جادة منه لاستكشاف صلة الأدب بالحياة متجاوزاً الانشغال بالاتجاهات الحديثة في النقد من شكلانية وبنيوية وتفكيكية وغيرها .و كان آخر ما أصدره الراحل كتاب " الضوء الكاذب في السينما الامريكية " والذي صدر في العام 2001 عن الموسوعة الصغيرة ببغداد . على أن تركيز الراحل على نقد الفنون المرئية التلفزيونية من برامج ومسلسلات وأفلام وما إلى ذلك كان يدفعه إلى تطوير منهجه النقدي القائم على دراسة أثر الفنون الجماهيرية على مشاهديها وملاحقة آخر ما يستجد فيه .عاش قاسم عبد الأمير عجام حياته يمثل دور الرائي الشريف ، ومن أجل أن يحافظ على هذا الدور كان عليه أن يفقد يوماً أثر يوم ما تمنحه له الحياة من وجاهات زائلة أو بالأحرى مكللة بالدم ، وهو انسجم مع سيرته بشكل أخاذ عندما كان موته يمثل الحلقة الأخيرة في مسلسل حياته التراجيدي والذي كان فيه أحد الأبطال وأبرز الشهود عن فجيعة وطن.
الناقد والمفكر قاسم عبد الأمير عجام فـي كتاب استذكاري
نشر في: 5 إبريل, 2010: 05:45 م