عامر القيسيعندما نريد ان نحط من قيمة وقدر الانسان الحقيقي ، فاننا نحصر وجوده الانساني الكلي بالخبز ونضيف اليه ، في اليوم المعاصر، الخدمات ، ويتشبث البعض حتى من النخب السياسية والثقافية بمقولة ان المواطن العراقي لايريد الا الخبز والخدمات ، ورغم صحة هذه المقولة وواقعيتها واحقيتها للمواطن الذي يفتقد الى اشياء عديدة مهمة في حياته ،
الاانها نظرة دونية لشرط الوجود الانساني وهو الحرية بمعناها الشمولي الكوني . فكرة الحرية بالنسبة للكائن الانساني فكرة قديمة ، وهي التي قادت آدم الى معصية الله في الجنة وتحمل مشاق العقاب الذي تلقاه من الخالق بارساله مع حواء الى الأرض ، رغم ان الخبز والفواكه والحياة المرفهة متوفرة في الجنة ولا اعتقد ان احدا يستطيع ان يوفر لآدم وحواء ماوفره لهما الخالق وهما في حظرته المباركة !اذن الوجود الانساني ليس بايولوجياً مطلقا لكي يبقى الكثير من المثقفين والاعلاميين منساقين بشكل مطلق الى اجواء المطالب الشعبية بالأمن والخبز والخدمات ، وهي مطالب نحتاجها أكثر من أي شيء آخر ، الا الحرية . متلازمتان منذ بدء الخليقة وليس بامكاننا تحت ضغط اللحظة وكوارثها ان نهدر الكرامة الشخصية والانسانية ونختصر وجودها بالخبز أو الكهرباء . قد يتهمني البعض بالترف والابتعاد عن نفس الجماهير وروحيتها وانني ضد حكومة التكنوقراط ،التي سمعنا بها ولم نرها ثم نسيها السياسيون الكرام في حمأة الصراع على الكراسي السيادية ، لكنني أرى العكس من ذلك تماما ، فالجماهير التي تتحدى الموت وتذهب للانتخابات ، لم تكن جائعة وبحاجة الى لقمة الخبز بالرغم من افتقارها الى الكهرباء والماء النقي والتعليم المعاصر والخدمات الصحية الصحيحة . وهي نفس الجماهير التي كررت فعلتها اكثر من مرّة خلال السنوات السبع الماضية ، دون ان تموت من الجوع ، وهي نفس الجماهير التي تعيد مواصلة الحياة في نفس موقع الانفجار بعد ازالة أثاره بدقائق ، وهي نفس الجماهير التي تطوعّت لقتال القاعدة ، وهي نفسها التي غيّرت المعادلة السياسية في أكثر من انتخاب وزعزعت الاعتقادات المطلقة من ان الرأي العام الجماهيري سار ويسير في طريق واحد لاحياد عنه ! الجماهير التي نتحدث عنها هي جماهير بائع الشربت وصباغ الاحذية وعامل المسطر والفلاح والموظف والمرأة الامية والرجل المعاق ، هذه هي نوعية الجماهير التي تحدث كل هذه الاشياء في العراق، ويريد البعض من المثقفين أن يختزل وجودها ومطلبياتها ونضالاتها، بالخبز! ان هذا البعض يتجنى على التوق الانساني العام لشيء آخر غير الخبز وعلى جماهيرنا التي تؤسس لثقافتها الخاصة وتخلق للآخرين قناعاتهم في الحياة والسياسة والفلسفة. ان الفهم الخاطئ للمزاج الجماهيري لايقود فقط الى فقدانها وانما يقود الى تبني مفاهيم سياسية وفلسفية خاطئة تقود بدورها الى اتخاذ قرارات استراتيجية خاطئة قد تؤدي الى نتائج تدميرية وربما مميتة في بعض الاحيان . من هذه المنطلقات على نخبنا الثقافية والاعلامية والسياسية ان تعيد حسابات نظرتها الى الجمهور باعتباره مجموعة من الرعاع الذين تأخذهم الريح أنا تشاء وترسو بهم البواخر الى حيث لايريدون!
كتابة على الحيطان: الخبز والديمقراطية
نشر في: 5 إبريل, 2010: 08:28 م