ترجمة : عادل العاملتحيل قصص الشتات اليهودي نفسها بسهولة تامة إلى اللامعقول. فالحياة مؤلفة من تسلسل أحداث غير منطقية، متعاقبة بالتأريخ، لكن ليس هناك من شيء آخر. و البحث عن الحقيقة يُفسده التذكير الثابت بأن ليس هناك من حقيقة، و أن أياً من معتقدات الجوهر التي يمكن أن يكون قد استخدمها المرء كي يضمن لنفسه شيئاً من اليقين في العالم هو أمر أجوف كلياً. يجد ماركوس ألتالف Altaleph
نفسه تحت نوع من اعتقال المنزل أو المستشفى في بداية رواية ديفيد أنغَر Unger، ( الحياة في المدار الاستوائي اللعين ) ، مقيّداً إلى فراشه. و الكتاب، في الواقع، يبدأ و ينتهي في الفراش، و يدور حول المخدع بصورة متكررة، و يستمد عدداً من الفِكَر والخطط من الفراش، لكنه ليس من كتب عالم الحُلُم. لا، فليس هناك خط متنقل سحرياً بين مستويات الواقع هنا. و ما يحدث لماركوس و من حوله هو من هذا الواقع، و عنيف، و غير منطقي و انفعالي.إن أية رواية تبدأ بشخصية تستيقظ من نومها ، إنما تذكّرنا بقصة كافكا، لكن بخلاف غريغور سامسا ( بطل رواية كافكا " المسخ " )، يستيقظ ماركوس هنا ليجد لا نفسه بل العالم من حوله، مدينة غواتيمالا أوائل الثمانينات، قد أصبحت في وضعٍ لا يمكن التعرف عليها فيه تقريباً. و يعيش ماركوس على راتب وظيفة عاطلة، و يعتني به أخوانه العاملون في المقاولات، و يصل إلى منتصف خمسيناته و هو غير مدركٍ على نحو سعيد ما الذي يتدبر أمر المعيشة. لكنه يعاني بشدة من عدم انتباهه ــ و البواسير ليس أقل ما هناك ــ و المعاناة تساعده بالفعل في تهذيب رؤيته لأسرته، و نفسه، و الثقافة التي يكون فيها أجنبياً مقيماً في واقع الحال.و هناك، على وجه التحديد، أمران يسببان الكدر لماركوس. الأول، أخوانه. فهم كانوا يعيلونه و يكفلون له سذاجته، و قد جعلوا منه أحمق لهم. فلا هارون، بمكانته البارزة في المجتمع اليهودي، و لا ديفيد، رئيس أعمال الأسرة، لديه وقتٌ يضيعه تحت الاعتقال المنزلي، و لهذا يُقدَّم ماركوس، إلى جانب رشوةٍ كبيرة، كجزءٍ من الكلفة الطارئة للقيام بأعمال تجارية في غواتيمالا. لا خبث أو ضغينة، و إنما أعمال تجارية. و المصدر الثاني للحزن هو غواتيمالا نفسها، و هذا برأيي واحد من أذكى اختراعات الرواية. فغواتيمالا ذات المنخفضات و غابات السحب العالية غائبة تقريباً لكن الأحراش حاضرة في في كل واحد، و القساوات غير المتوقعة ليست شخصية، مرةً أخرى. فكل شيء عمل تجاري ( بِزنس )، حتى السياسة، في المجتمع العسكرتاري المُفسَد، الوفيات، الاختفاءات، التفجيرات، و كلها لاشخصية و كأنها مموهة بنمرٍ مرقّط أو مخنوقةً بنبات متسلق في الغابة الكثيفة.غير إن ماركوس ليس بريئاً بحيث يفشل في امتحان نفسه. فهو يتلقى الرسالة. و يقوم، مرغماً للبدء بتدبير أموره الخاصة حين لا يعود بإمكان عمل الأسرة التجاري إعالته، بفتح نادٍ ليلي بتشجيع من صديقته الجميلة أيسبرانزا. و عندما يكتشف أن زمرةً من الجنرالات والأولاد المثاليين و اثنين من الأدمغة التجارية برئاسة مموّل النادي رفائيل ميندوزا يستخدمون محله للتخطيط لإطاحة الحكومة القائمة، يفترض دوره نصف الواعي الخاص في انفجار واحد من براكين غواتيمالا الاجتماعية، و يتحرك للعمل ... بتكلفة كبيرة، حيث يُهاجَم المتآمرون في أحد الاجتماعات السرية ، فيُقتل ميندوزا و الأخ هارون، و قائد بارز في المجتمع اليهودي. و يمكن القول إن الكاتب هنا يستخدم خلفيته الفريدة بشكلٍ جيد و هو يرتب مسار قصته غير العادية، و يعزز عنصر التشويق، رغم بعض المقاطع غير الأساسية التي نجد فيها ماركوس يشكو باستمرار من التقدم في السن. لكن ما يجعل الرواية عملاً جديراً بالقراءة هو تصويرها التقاليد الأمريكية اللاتينية و القيَم اليهودية، إضافةً لاستكشاف المنطقة الرمادية في الما بَين، حيث يجد ماركوس و أخـــــــــواه أنفسهم
الحياة الغواتيمالية الواقعية و نظيرها الأدبي
نشر في: 6 إبريل, 2010: 05:14 م